أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله تعالى بعث ملائكته فقال ابنوا لي في الأرض بيتا على مثال البيت المعمور وأمر الله تعالى من في الأرض أن يطوفوا به كما يطوف أهل السماء بالبيت المعمور، وهذا كان قبل خلق آدم ".
وأيضا ورد في سائر كتب التفسير عن عبد الله بن عمر، ومجاهد والسدي: أنه أول بيت وضع على وجه الماء عند خلق الأرض والسماء، وقد خلقه الله تعالى قبل الأرض بألفي عام وكان زبدة بيضاء على الماء ثم دحيت الأرض تحته، قال القفال في " تفسيره ": روى حبيب بن ثابت عن ابن عباس أنه قال: وجد في كتاب في المقام أو تحت المقام " أنا الله ذو بكة وضعتها يوم وضعت الشمس والقمر، وحرمتها يوم وضعت هذين الحجرين، وحققتها بسبعة أملاك حنفاء " وثانيها: أن آدم صلوات الله عليه وسلامه لما أهبط إلى الأرض شكا الوحشة، فأمره الله تعالى ببناء الكعبة وطاف بها، وبقي ذلك إلى زمان نوح عليه السلام، فلما أرسل الله تعالى الطوفان، رفع البيت إلى السماء السابعة حيال الكعبة، يتعبد عنده الملائكة، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك سوى من دخل من قبل فيه، ثم بعد الطوفان اندرس موضع الكعبة، وبقي مختفيا إلى أن بعث الله تعالى جبريل صلوات الله عليه إلى إبراهيم عليه السلام ودله على مكان البيت، وأمره بعمارته، فكان المهندس جبريل والبناء إبراهيم والمعين إسماعيل عليهم السلام.
واعلم أن هذين القولين يشتركان في أن الكعبة كانت موجودة في زمان آدم عليه السلام، وهذا هو الأصوب ويدل عليه وجوه الأول: أن تكليف الصلاة كان لازما في دين جميع الأنبياء عليهم السلام، بدليل قوله تعالى في سورة مريم * (أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملناه مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذ تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا) * (مريم: 58) فدلت الآية على أن جميع الأنبياء عليهم السلام كانوا يسجدون لله والسجدة لا بد لها من قبلة، فلو كانت قبلة شيث وإدريس ونوح عليهم السلام موضعا آخر سوى القبلة لبطل قوله * (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة) * فوجب أن يقال: إن قبلة أولئك الأنبياء المتقدمين هي الكعبة، فدل هذا على أن هذه الجهة كانت أبدا مشرفة مكرمة الثاني: أن الله تعالى سمى مكة أم القرى، وظاهر هذا يقتضي أنها كانت سابقة على سائر البقاع في الفضل والشرف منذ كانت موجودة الثالث: روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم فتح مكة " ألا إن الله قد حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض والشمس والقمر " وتحريم مكة لا يمكن إلا بعد وجود مكة الرابع: أن الآثار التي حكيناها عن الصحابة والتابعين دالة على أنها كانت مودة قبل زمان إبراهيم عليه السلام.
واعلم أن لمن أنكر ذلك أن يحتج بوجوه الأول: ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: