العتاب لصاحبه، وتعديده عليه ذنوبه بعد كثرة إحسانه إليه أمن قلة إحساني إليك أمن إهانتي لك؟ والمعنى أمن أجل هذا فعلت ما فعلت؟ ونظيره قوله تعالى: * (أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه) * (الزمر: 9) وهذا الوجه مروي عن مجاهد وعيسى بن عمر. أما قراءة من قرأ بقصر الألف من * (أن) * فقد يمكن أيضا حملها على معنى الاستفهام كما قرىء * (سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم) * (البقرة: 6) بالمد والقصر، وكذا قوله * (أن كان ذا مال وبنين) * قرىء بالمد والقصر، وقال امرؤ القيس:
تروح من الحي أم تبتكر؟ * وماذا عليك ولم تنتظر أراد أروح من الحي؟ فحذف ألف الاستفهام، وإذا ثبت أن هذه القراءة محتملة لمعنى الاستفهام كان التقدير ما شرحناه في القراءة الأولى.
الوجه الثاني: أن أولئك لما قالوا لأتباعهم: لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم * (إن الهدى هدى الله) * فلا تنكروا * (أن يؤتي أحد) * سواكم من الهدى * (مثل ما أوتيتموه) * * (أو يحاجوكم) * يعني هؤلاء المسلمين بذلك * (عند ربكم) * إن لم تقبلوا ذلك منهم، أقصى ما في الباب أنه يفتقر في هذا التأويل إلى إضمار قوله فلا تنكروا لأن عليه دليلا وهو قوله * (إن الهدى هدى الله) * فإنه لما كان الهدى هدى الله كان له تعالى أن يؤتيه من يشاء من عباده ومتى كان كذلك لزم ترك الإنكار.
الوجه الثالث: إن الهدى اسم للبيان كقوله تعالى: * (وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى) * (فصلت: 17) فقوله * (إن الهدى) * مبتدأ وقوله * (هدى الله) * بدل منه وقوله * (أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم) * خبر بإضمار حرف لا، والتقدير: قل يا محمد لا شك أن بيان الله هو أن لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، وهو دين الإسلام الذي هو أفضل الأديان وأن لا يحاجوكم يعني هؤلاء اليهود عند ربكم في الآخرة لأنه يظهر لهم في الآخرة أنكم محقون وأنهم مضلون، وهذا التأويل ليس فيه إلا أنه لا بد من إضمار حرف * (لا) * وهو جائز كما في قوله تعالى: * (أن تضلوا) * (النساء: 44) أي أن لا تضلوا.
الوجه الرابع: * (الهدى) * اسم و * (هدى الله) * بدل منه و * (أن يؤتى أحد) * خبره والتقدير: إن هدى الله هو أن يؤتي أحد مثل ما أوتيتم، وعلى هذا التأويل فقوله * (أو يحاجوكم عند ربكم) * لا بد فيه من إضمار، والتقدير: أو يحاجوكم عند ربكم فيقضى لكم عليهم، والمعنى: أن الهدى هو ما هديتكم به من دين الإسلام الذي من حاجكم به عندي قضيت لكم عليه، وفي قوله * (عند ربكم) * ما يدل على هذا الإضمار ولأن حكمه بكونه ربا لهم يدل على كونه راضيا عنهم وذلك مشعر بأنه يحكم لهم ولا يحكم عليهم.