المسألة الأولى: محل * (أن) * في قوله أن لا نعبد، فيه وجهان الأول: إنه رفع بإضمار، هي: كأن قائلا قال: ما تلك الكلمة؟ فقيل هي أن لا نعبد إلا الله والثاني: خفض على البدل من: كلمة. المسألة الثانية: إنه تعالى ذكر ثلاثة أشياء أولها: * (أن لا نعبد إلا الله) * وثانيها: أن * (لا نشرك به شيئا) * وثالثها: أن * (لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله) * وإنما ذكر هذه الثلاثة لأن النصارى جمعوا بين هذه الثلاثة فيعبدون غير الله وهو المسيح، ويشركون به غيره وذلك لأنهم يقولون إنه ثلاثة: أب وابن وروح القدس، فأثبتوا ذوات ثلاثة قديمة سواء، وإنما قلنا: إنهم أثبتوا ذوات ثلاثة قديمة، لأنهم قالوا: إن أقنوم الكلمة تدرعت بناسوت المسيح، وأقنوم روح القدس تدرعت بناسوت مريم، ولولا كون هذين الأقنومين ذاتين مستقلتين وإلا لما جازت عليهما مفارقة ذات الأب والتدرع بناسوت عيسى ومريم، ولما أثبتوا ذوات ثلاثة مستقلة فقد أشركوا، وأما إنهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله فيدل عليه وجوه:
أحدها: إنهم كانوا يطيعونهم في التحليل والتحريم والثاني: إنهم كانوا يسجدون لأحبارهم والثالث: قال أبو مسلم: من مذهبهم أن من صار كاملا في الرياضة والمجاهدة يظهر فيه أثر حلول اللاهوت، فيقدر على إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، فهم وإن لم يطلقوا عليه لفظ الرب إلا أنهم أثبتوا في حقه معنى الربوبية والرابع: هو أنهم كانوا يطيعون أحبارهم في المعاصي، ولا معنى للربوبية إلا ذلك، ونظيره قوله تعالى: * (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) * (الجاثية: 23) فثبت أن النصارى جمعوا بين هذه الأمور الثلاثة، وكان القول ببطلان هذه الأمور الثلاثة كالأمر المتفق عليه بين جمهور العقلاء وذلك، لأن قبل المسيح ما كان المعبود إلا الله، فوجب أن يبقى الأمر بعد ظهور المسيح على هذا الوجه، وأيضا القول بالشركة باطل باتفاق الكل، وأيضا إذا كان الخالق والمنعم بجميع النعم هو الله، وجب أن لا يرجع في التحليل والتحريم والانقياد والطاعة إلا إليه، دون الأحبار والرهبان، فهذا هو شرح هذه الأمور الثلاثة.
ثم قال تعالى: * (فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) * والمعنى إن أبوا إلا الإصرار، فقولوا إنا مسلمون، يعني أظهروا أنكم على هذا الدين، لا تكونوا في قيد أن تحملوا غيركم عليه.