الأعشى في تقرير هذا المعنى:
إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى * ولاقيت بعد الموت من قد تزودا ندمت على أن لا تكون كمثله * وأنك لم ترصد كما كان أرصدا والقول الثاني: أن هذه الآية نزلت في أناس من أهل اليمن كانوا يحجون بغير زاد ويقولون: إنا متوكلون، ثم كانوا يسألون الناس وربما ظلموا الناس وغصبوهم، فأمرهم الله تعالى أن يتزودوا فقال: وتزودوا ما تبلغون به فإن خير الزاد ما تكفون به وجوهكم عن السؤال وأنفسكم عن الظلم وعن ابن زيد: أن قبائل من العرب كانوا يحرمون الزاد في الحج والعمرة فنزلت. وروى محمد بن جرير الطبري عن ابن عمر قال: كانوا إذا أحرموا ومعهم أزودة رموا بها فنهوا عن ذلك بهذه الآية قال القاضي: وهذا بعيد لأن قوله: * (فإن خير الزاد التقوى) * راجع إلى قوله: * (وتزودوا) * فكان تقديره: وتزودوا من التقوى والتقوى في عرف الشرع والقرآن عبارة عن فعل الواجبات وترك المحظورات قال: فإن أردنا تصحيح هذا القول ففيه وجهان أحدهما: أن القادر على أن يستصحب الزاد في السفر إذا لم يستصحبه عصى الله في ذلك، فعلى هذا الطريق صح دخوله تحت الآية والثاني: أن يكون في الكلام حذف ويكون المراد: وتزودوا لعاجل سفركم وللآجل فإن خير الزاد التقوى.
أما قوله تعالى: * (واتقون) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: إن قوله: * (واتقون) * فيه تنبيه على كمال عظمة الله وجلاله وهو كقول الشاعر: أنا أبو النجم وشعري شعري (c) المسألة الثانية: أثبت أبو عمرو الياء في قوله: * (واتقون) * على الأصل، وحذفها الآخرون للتخفيف ودلالة الكسر عليه.
أما قوله تعالى: * (يا أولي الألباب) * فاعلم أن لباب الشئ ولبه هو الخالص منه، ثم اختلفوا بعد ذلك، فقال بعضهم: إنه اسم للعقل لأنه أشرف ما في الإنسان، والذي تميز به الإنسان عن البهائم وقرب من درجة الملائكة، واستعد به للتمييز بين خير الخيرين، وشر الشرين، وقال آخرون: أنه في الأصل اسم للقلب الذي هو محل العقل، والقلب قد يجعل كناية عن العقل قال تعالى: * (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) * (ق: 37) فكذا ههنا جعل اللب كناية عن العقل، فقوله: * (يا أولي الألباب) * معناه: يا أولي العقول، وإطلاق اسم المحل على الحال مجاز مشهور، فإنه يقال لمن له غيرة وحمية: فلان له نفس، ولمن ليس له حمية: فلان لا نفس له