الحكم الثاني قوله تعالى * (إن الذين يكتمون مآ أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) *.
اعلم أن في قوله: * (إن الذين يكتمون) * مسائل:
المسألة الأولى: قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في رؤساء اليهود؛ كعب بن الأشرف، وكعب بن أسد، ومالك بن الصيف، وحيي بن أخطب، وأبي ياسر بن أخطب، كانوا يأخذون من أتباعهم الهدايا، فلما بعث محمد عليه السلام خافوا انقطاع تلك المنافع، فكتموا أمر محمد عليه السلام وأمر شرائعه فنزلت هذه الآية.
المسألة الثانية: اختلفوا في أنهم أي شيء كانوا يكتمون؟ فقيل: كانوا يكتمون صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته والبشارة به، وهو قول ابن عباس وقتادة والسدي والأصم وأبي مسلم، وقال الحسن: كتموا الأحكام وهو قوله تعالى: * (إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله) * (التوبة: 34).
المسألة الثالثة: اختلفوا في كيفية الكتمان، فالمروي عن ابن عباس: أنهم كانوا محرفين يحرفون التوراة والإنجيل، وعند المتكلمين هذا ممتنع، لأنهما كانا كتابين بلغا في الشهرة والتواتر إلى حيث يتعذر ذلك فيهما، بل كانوا يكتمون التأويل، لأنه قد كان فيهم من يعرف الآيات الدالة على نبوة محمد عليه السلام، وكانوا يذكرون لها تأويلات باطلة، ويصرفونها عن محاملها الصحيحة الدالة على نبوة محمد عليه السلام، فهذا هو المراد من الكتمان، فيصير المعنى: إن الذين يكتمون معاني ما أنزل الله من الكتاب.
أما قوله تعالى: * (ويشترون به ثمنا قليلا) * ففيه مسائل: