أحدهما: ذكر هو ضد النسيان والثاني: الذكر بالقول، فما هو خلاف النسيان قوله: * (وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره) * (الكهف: 63) وأما الذكر الذي هو القول فهو كقوله: * (فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا * واذكروا الله في أيام معدودات) * (البقرة: 203) فثبت أن الذكر وارد بالمعنيين فالأول: محمول على الذكر باللسان والثاني: على الذكر بالقلب، فإن بهما يحصل تمام العبودية ورابعها: قال ابن الأنباري: معنى قوله: * (واذكروه كما هداكم) * يعني اذكروه بتوحيده كما ذكركم بهدايته وخامسها: يحتمل أن يكون المراد من الذكر مواصلة الذكر، كأنه قيل لهم: اذكروا الله واذكروه أي اذكروه ذكرا بعد ذكر، كما هداكم هداية بعد هداية، ويرجع حاصله إلى قوله: * (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا) * (الأحزاب: 41) وسادسها: أنه تعالى أمر بالذكر عند المشعر الحرام، وذلك إشارة إلى القيام بوظائف الشريعة، ثم قال بعده: * (واذكروه كما هداكم) * والمعنى أن توقيف الذكر على المشعر الحرام فيه إقامة لوظائف الشريعة، فإذا عرفت هذا قربت إلى مراتب الحقيقة، وهو أن ينقطع قلبك عن المشعر الحرام، بل عن من سواه فيصير مستغرقا في نور جلاله وصمديته، ويذكره لأنه هو الذي يستحق لهذا الذكر ولأن هذا الذكر يعطيك نسبة شريفة إليه بكونك في هذه الحالة تكون في مقام العروج ذاكرا له ومشتغلا بالثناء عليه، وإنما بدأ بالأول وثنى بالثاني لأن العبد في هذه الحالة يكون في مقام العروج فيصعد من الأدنى إلى الأعلى وهذا مقام شريف لا يشرحه المقال ولا يعبر عنه الخيال، ومن أراد أن يصل إليه، فليكن من الواصلين إلى العين، دون السامعين للأثر ورابعها: أن يكون المراد بالأول هو ذكر أسماء الله تعالى وصفاته الحسنى، والمراد بالذكر الثاني: الاشتغال بشكر نعمائه، والشكر مشتمل أيضا على الذكر، فصح أن يسمي الشكر ذكرا، والدليل على أن الذكر الثاني هو الشكر أنه علقه بالهداية، فقال: * (كما هداكم) * والذكر المرتب على النعمة ليس إلا الشكر وثامنها: أنه تعالى لما قال * (فاذكروا الله عند المشعر الحرام) * جاز أن يظن أن الذكر مختص بهذه البقعة وبهذه العبادة، يعني الحج فأزال الله تعالى هذه الشبهة فقال * (واذكروه كما هداكم) * يعني اذكروه على كل حال، وفي كل مكان، لأن هذا الذكر إنما وجب شكرا على هدايته، فلما كانت نعمة الهداية متواصلة غير منقطعة، فكذلك الشكر يجب أن يكون مستمرا غير منقطع وتاسعها: أن قوله: * (فاذكروا الله عند المشعر الحرام) * المراد منه الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء هناك، ثم قوله: * (واذكروه كما هداكم) * والمراد منه التهليل والتسبيح.
السؤال الثاني: ما المراد من الهداية في قوله: * (كما هداكم) *؟.