كالتأكيد لهذا النسخ، وأما الذي يقول: إن قوله: * (أحل لكم ليلة الصيام الرفث) * يفيد حل الرفث في الليل، فهذا القدر لا يقتضي حصول النسخ به فيكون الناسخ هو قوله: * (كلوا واشربوا) *.
أما قوله تعالى: * (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: قد ذكرنا في تشبيه الزوجين باللباس وجوها أحدها: أنه لما كان الرجل والمرأة يعتنقان، فيضم كل واحد منهما جسمه إلى جسم صاحبه حتى يصير كل واحد منهما لصاحبه كالثوب الذي يلبسه، سمي كل واحد منهما لباسا، قال الربيع: هن فراش لكم وأنتم لحاف لهن، وقال ابن زيد: عن لباس لكن وأنتم لباس لهن، يريد أن كل واحد منهما يستر صاحبه عند الجماع عن أبصار الناس وثانيها: إنما سمي الزوجان لباسا ليستر كل واحد منهما صاحبه عما لا يحل، كما جاء في الخبر " من تزوج فقد أحرز ثلثي دينه " وثالثها: أنه تعالى جعلها لباسا للرجل، من حيث إنه يخصها بنفسه، كما يخص لباسه بنفسه، ويراها أهلا لأن يلاقي كل بدنه كل بدنها كما يعمله في اللباس ورابعها: يحتمل أن يكون المراد ستره بها عن جميع المفاسد التي تقع في البيت، لو لم تكن المرأة حاضرة، كما يستتر الإنسان بلباسه عن الحر والبرد وكثير من المضار وخامسها: ذكر الأصم أن المراد أن كل واحد منهما كان كاللباس الساتر للآخر في ذلك المحظور الذي يفعلونه، وهذا ضعيف لأنه تعالى أورد هذا الوصف على طريق الإنعام علينا، فكيف يحمل على التستر بهن في المحظور.
المسألة الثانية: قال الواحدي: إنما وحد اللباس بعد قوله * (هن) * لأنه يجري مجرى المصدر، وفعال من مصادر فاعل، وتأويله: هن ملابسات لكم.
المسألة الثالثة: قال صاحب " الكشاف ": فإن قلت: ما موقع قوله: * (هن لباس لكم) * فنقول: هو استئناف كالبيان لسبب الإحلال، وهو أنه إذا حصلت بينكم وبينهن مثل هذه المخالطة والملابسة قل صبركم عنهن، وضعف عليكم اجتنابهن، فلذلك رخص لكم في مباشرتهن.
أما قوله تعالى: * (علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: يقال: خانه يخونه خونا وخيانة إذا لم يف له، والسيف إذا نبا عن الضربة فقد خانك، وخانه الدهر إذا تغير حاله إلى الشر، وخان الرجل الرجل إذا لم يؤد الأمانة، وناقض العهد خائن، لأنه كان ينتظر منه الوفاء فغدر، ومنه قوله تعالى: * (وإما تخافن من قوم خيانة) * (الأنفال: 58) أي نقضا للعهد، ويقال للرجل المدين: إنه خائن، لأنه لم يف بما يليق بدينه، ومنه قوله تعالى: * (لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم) * (الأنفال: 27) وقال: * (وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل) * (الأنفال: 71)