رجل عالم، وكقوله تعالى: * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا) * (الكهف: 30) ثم قال: * (أولئك) * ففصل بين المتبدأ والخبر بقوله: * (إنا لا نضيع) * قلنا: الموصول مع الصلة كالشئ الواحد فالتعلق الذي بينهما أشد من التعلق بين المبتدأ والخبر، فلا يلزم من جوازه الفصل بين المبتدأ والخبر جواز بين الموصول والصلة.
القول الثاني: قول الفراء: إنه نصب على المدح، وإن كان من صفة من، وإنما رفع الموفون ونصب الصابرين لطول الكلام بالمدح، والعرب تنصب على المدح وعلى الذم إذا طال الكلام بالنسق في صفة الشيء الواحد، وأنشد الفراء:
إلى الملك القرم وابن الهمام * وليث الكتيبة في المزدحم * (حمال الحطب) * وقالوا فيمن قرأ: بنصب * (حمالة) * أنه نصب على الذم، قال أبو علي الفارسي: وإذا ذكرت الصفات الكثيرة في معرض المدح أو الذم فالأحسن أن تخالف بإعرابها ولا تجعل كلها جارية على موصوفها، لأن هذا الموضع من مواضع الإطناب في الوصف والإبلاغ في القول، فإذا خولف بإعراب الأوصاف كان المقصود أكمل، لأن الكلام عند اختلاف الإعراب يصير كأنه أنواع من الكلام وضروب من البيان، وعند الاتحاد في الإعراب يكون وجها واحدا.، وجملة واحدة. ثم اختلف الكوفيون والبصريون في أن المدح والذم لم صارا علتين لاختلاف الحركة؟ فقال الفراء: أصل المدح والذم من كلام السامع، وذلك أن الرجل إذا أخبر غيره فقال له: قام زيد فربما أثنى السامع على زيد، وقال ذكرت والله الظريف، ذكرت العاقل، أي هو والله الظريف هو العاقل، فأراد المتكلم أن يمدح بمثل ما مدحه به السامع، فجرى الإعراب على ذلك، وقال الخليل: المدح والذم ينصبان على معنى أعني الظريف، وأنكر الفراء ذلك لوجهين الأول: أن أعني إنما يقع تفسيرا للاسم المجهول، والمدح يأتي بعد المعروف الثاني: أنه لو صح ما قاله الخليل لصح أن يقول: قام زيد أخاك، على معنى: أعني أخاك، وهذا مما لم تقله العرب أصلا.
واعلم أن من الناس من قرأ * (والموفين، والصابرين) * ومنهم من قرأ * (والموفون، والصابرون) *.
أما قوله: * (في البأساء) * قال ابن عباس: يريد الفقر، وهو اسم من البؤس * (والضراء) * قال: يريد به المرض، وهما اسمان على فعلاء ولا أفعل لهما، لأنهما ليسا بنعتين * (وحين البأس) * قال ابن عباس رضي الله عنهما يريد القتال في سبيل الله والجهاد، ومعنى البأس في اللغة الشدة يقال: لا بأس عليك في هذا، أي لا شدة * (بعذاب بئيس) * (الأعراف: 165) شديد ثم تسمى الحرب بأسا لما فيها من الشدة والعذاب يسمى بأسا لشدته قال تعالى: * (فلما رأوا بأسنا) * (غافر: 84) * (فلما أحسوا بأسنا) * (الأنبياء: 12) * (فمن ينصرنا من بأس الله) * (غافر: 29). ثم