وليس بأصل، وأما الوقوف بعرفة فهو أصل لأنه قال: * (فإذا أفضتم من عرفات) * ولم يقل من الذكر بعرفات.
المسألة الثامنة: * (المشعر) * المعلم وأصله من قولك: شعرت بالشئ إذا علمته، وليت شعري ما فعل فلان، أي ليس علمي بلغه وأحاط به، وشعار الشئ أعلامه، فسمى الله تعالى ذلك الموضع بالمشعر الحرام، لأنه معلم من معالم الحج، ثم اختلفوا فقال قائلون: المشعر الحرام هو المزدلفة، وسماها الله تعالى بذلك لأن الصلاة والمقام والمبيت به والدعاء عنده، هكذا قاله الواحدي في " البسيط " قال صاحب " الكشاف ": الأصح أنه قزح، وهو آخر حد المزدلفة والأول أقرب لأن الفاء في قوله: * (فاذكروا الله عند المشعر الحرام) * تدل على أن الذكر عند المشعر الحرام يحصل عقيب الإفاضة من عرفات، وما ذاك إلا بالبيتوتة بالمزدلفة.
المسألة التاسعة: اختلفوا في الذكر المأمور به عند المشعر الحرام فقال بعضهم: المراد منه الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء هناك والصلاة تسمى ذكرا قال الله تعالى: * (وأقم الصلاة لذكري) * (طه: 14) والدليل عليه أن قوله: * (فاذكروا الله عند المشعر الحرام) * أمر وهو للوجوب، ولا ذكر هناك يجب إلا هذا، وأما الجمهور فقالوا: المراد منه ذكر الله بالتسبيح والتحميد والتهليل، وعن ابن عباس أنه نظر إلى الناس في هذه الليلة وقال: كان الناس إذا أدركوا هذه الليلة لا ينامون.
أما قوله تعالى: * (واذكروه كما هداكم) * ففيه سؤالات:
السؤال الأول: لما قال: * (اذكروا الله عند المشعر الحرام) * فلم قال مرة أخرى * (واذكروه) * وما الفائدة في هذا التكرير؟.
والجواب من وجوه أحدها: أن مذهبنا أن أسماء الله تعالى توقيفية لا قياسية فقوله أولا: * (اذكروا الله) * أمر بالذكر، وقوله ثانيا: * (واذكروه كما هداكم) * أمر لنا بأن نذكره سبحانه بالأسماء والصفات التي بينها لنا وأمرنا أن نذكره بها، لا بالأسماء التي نذكرها بحسب الرأي والقياس وثانيها: أنه تعالى أمر بالذكر أولا، ثم قال ثانيا: * (واذكروه كما هداكم) * أي وافعلوا ما أمرناكم به من الذكر كما هداكم الله لدين الإسلام، فكأنه تعالى قال: إنما أمرتكم بهذا الذكر لتكونوا شاكرين لتلك النعمة، ونظيره ما أمرهم به من التكبير إذا أكملوا شهر رمضان، فقال: * (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم) * (البقرة: 185) وقال في " الأضاحي ": * (كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم) * وثالثها: أن قوله أولا: * (فاذكروا الله عند المشعر الحرام) * أمر بالذكر باللسان وقوله ثانيا: * (واذكروه كما هداكم) * أمر بالذكر بالقلب، وتقريره أن الذكر في كلام العرب ضربان