مما يمنع الإحرام منه والخامس: أن الرفث هو الجماع ومقدماته مع الحليلة، والفسوق هو الجماع ومقدماته على سبيل الزنا والسادس: قال محمد بن الطبري: الفسوق، هو العزم على الحج إذا لم يعزم على ترك محظوراته.
وأما الجدال فهو فعال من المجادلة، وأصله من الجدل الذي من القتل، يقال: زمام مجدول وجديل، أي مفتول، والجديل اسم الزمام لأنه لا يكون إلا مفتولا، وسميت المخاصمة مجادلة لأن كل واحد من الخصمين يروم أن يفتل صاحبه عن رأيه، وذكر المفسرون وجوها في هذا الجدال.
فالأول: قال الحسن: هو الجدال الذي يخاف منه الخروج إلى السباب والتكذيب والتجهيل.
والثاني: قال محمد بن كعب القرظي: إن قريشا كانوا إذا اجتمعوا بمنى، قال بعضهم: حجنا أتم، وقال آخرون: بل حجنا أتم، فنهاهم الله تعالى عن ذلك.
والثالث: قال مالك في " الموطأ " الجدال في الحج أن قريشا كانوا يقفون عند المشعر الحرام في المزدلفة بقزح وكان غيرهم يقفون بعرفات وكانوا يتجادلون يقول هؤلاء: نحن أصوب، ويقول هؤلاء: نحن أصوب، قال الله تعالى: * (لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه فلا ينازعنك في الأمر، وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم * وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون) * الحج: 67 - 68) قال مالك هذا هو الجدال فيما يروى والله أعلم.
والرابع: قال القاسم بن محمد: الجدال في الحج أن يقول بعضهم: الحج اليوم، وآخرون يقولون: بل غدا، وذلك أنهم أمروا أن يجعلوا حساب الشهور على رؤية الأهلة، وآخرون كانوا يجعلونه على العدد فبهذا السبب كانوا يختلفون فبعضهم يقول: هذا اليوم يوم العيد وبعضهم يقول: بل غدا، فالله تعالى نهاهم عن ذلك، فكأنه قيل لهم: قد بينا لكم أن الأهلة مواقيت للناس والحج، فاستقيموا على ذلك ولا تجادلوا فيه من غير هذه الجهة.
الخامس: قال القفال رحمه الله تعالى: يدخل في هذا النهي ما جادلوا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة فشق عليهم ذلك وقالوا: نروح إلى منى ومذاكيرنا تقطر منيا؟ فقال عليه الصلاة والسلام: " لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة " وتركوا الجدال حينئذ.
السادس: قال عبد الرحمن بن زيد: جدالهم في الحج بسبب اختلافهم في أيهم المصيب في الحج لوقت إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
السابع: أنهم كانوا مختلفين في السنين فقيل لهم: لا جدال في الحج فإن الزمان استدار وعاد إلى ما كان عليه الحج في وقت إبراهيم عليه السلام، وهو المراد بقوله عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع: " ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض " فهذا مجموع ما قاله المفسرون في هذا الباب.
وذكر القاضي كلاما حسنا في هذا المواضع فقال: قوله تعالى: * (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) * يحتمل أن يكون خبرا وأن يكون