والبغضاء فلما كان الجدال مشتملا على جميع أنواع القبح لا جرم خصه الله تعالى في هذه القراءة بمزيد الزجر والمبالغة في النفي، أما المفسرون فإنهم قالوا: من قرأ الأولين بالرفث والثالث بالنصب فقد حمل الأولين على معنى النهي، كأنه قيل: فلا يكون رفث ولا فسوق وحمل الثالث على الإخبار بانتفاء الجدال، هذا ما قالوه إلا أنه ليس بيان أنه لم خص الأولان بالنهي وخص الثالث بالنفي.
المسألة الثانية: أما الرفث فقد فسرناه في قوله: * (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) * (البقرة: 187) والمراد: الجماع، وقال الحسن: المراد منه كل ما يتعلق بالجماع فالرفث باللسان ذكر المجامعة وما يتعلق بها، والرفث باليد اللمس والغمز، والرفث بالفرج الجماع، وهؤلاء قالوا: التلفظ به في غيبة النساء لا يكون رفثا، واحتجوا بأن ابن عباس كان يحدو بعيره وهو محرم ويقول: وهن يمشين بنا هميسا * إن تصدق الطير ننك لميسا فقال له أبو العالية أترفث وأنت محرم؟ قال: إنما الرفث ما قيل عند النساء، وقال آخرون: الرفث هو قول الخنا والفحش، واحتج هؤلاء بالخبر واللغة أما الخبر فقوله عليه الصلاة والسلام: " إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل فإن امرؤ شاتمه فليقل إني صائم " ومعلوم أن الرفث ههنا لا يحتمل إلا قول الخنا والفحش، وأما اللغة فهو أنه روى عن أبي عبيد أنه قال: الرفث الإفحاش في المنطق، يقال أرفث الرجل إرفاثا، وقال أبو عبيدة: الرفث اللغو من الكلام.
أما الفسوق فاعلم أن الفسق والفسوق واحد وهما مصدران لفسق يفسق، وقد ذكرنا فيما قبل أن الفسوق هو الخروج عن الطاعة، واختلف المفسرون فكثير من المحققين حملوه على كل المعاصي قالوا: لأن اللفظ صالح للكل ومتناول له، والنهي عن الشئ يوجب الانتهاء عن جميع أنواعه فحمل اللفظ على بعض أنواع الفسوق تحكم من غير دليل، وهذا متأكد بقوله تعالى: * (ففسق عن أمر ربه) * (الكهف: 50) وبقوله: * (وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان) * (الحجرات: 7).
وذهب بعضهم إلى أن المراد منه بعض الأنواع ثم ذكروا وجوها:
الأول: المراد منه السباب واحتجوا عليه بالقرآن والخبر، أما القرآن فقوله تعالى: * (ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان) * (الحجرات: 11) وأما الخبر فقوله عليه الصلاة والسلام: " سباب المسلم فسوق وقتاله كفر " والثاني: المراد منه الإيذاء والإفحاش، قال تعالى: * (لا يضار كاتب ولا شهيد، وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم) * (البقرة: 282) والثالث: قال ابن زيد: هو الذبح للأصنام فإنهم كانوا في حجهم يذبحون لأجل الحج، ولأجل الأصنام، وقال تعالى: * (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق) * (الأنعام: 121) وقوله: * (أو فسقا أهل لغير الله به) * (الأنعام: 145) والرابع: قال ابن عمر: إنه العاصي في قتل الصيد وغيره