الفصل الخامس القائلون بأن كلمة * (إنما) * للحصر اتفقوا على أن ظاهر الآية يقتضي أن لا يحرم سوى هذه الأشياء لكنا نعلم أن في الشرع أشياء أخر سواها من المحرمات فتصير كلمة * (إنما) * متروكة الظاهر في العمل ومن قال إنها لا تفيد الحصر فالإشكال زائل.
الفصل السادس في " المضطر " وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قال الشافعي رضي الله عنه: قوله تعالى: * (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) * معناه أن من كان مضطرا ولا يكون موصوفا بصفة البغي، ولا بصفة العدوان البتة فأكل، فلا إثم عليه وقال أبو حنيفة معناه فمن اضطر فأكل غير باغ ولا عاد في الأكل فلا إثم عليه فخصص صفة البغي والعدوان بالأكل ويتفرع على هذا الاختلاف أن العاصي بسفره هل يترخص أم لا؟ فقال الشافعي رضي الله عنه لا يترخص لأنه موصوف بالعدوان فلا يندرج تحت الآية وقال أبو حنيفة بل يترخص لأنه مضطر غير باغ ولا عاد في الأكل فيندرج تحت الآية، واحتج الشافعي على قوله بهذه الآية وبالمعقول، أما الآية فهي أنه سبحانه وتعالى حرم هذه الأشياء على الكل بقوله: * (حرمت عليكم الميتة والدم) * (المائدة: 3) ثم أباحها للمضطر الذي يكون موصوفا بإنه غير باغ ولا عاد، والعاصي بسفره غير موصوف بهذه الصفة لأن قولنا: فلان ليس بمتعد نقيض لقولنا: فلان متعد ويكفي في صدقة كونه متعديا في أمر ما من الأمور سواء كان في السفر، أو في الأكل، أو في غيرهما، وإذا كان اسم المتعدي يصدق بكونه متعديا في أمر ما أي أمر كان وجب أن يكون قولنا: فلان غير معتدلا يصدق إلا إذا لم يكن متعديا في شيء من الأشياء البتة، فاذن قولنا: غير باغ ولا عاد لا يصدق إلا إذا انتفى عنه صفة التعدي من جميع الوجوه، والعاصي بسفره متعد بسفره، فلا يصدق عليه كونه غير عاد، وإذا لم يصدق عليه ذلك وجب بقاؤه تحت الآية وهو قوله: * (حرمت عليكم الميتة والدم) * أقصى ما في الباب أن يقال: هذا يشكل بالعاصي في سفره، فإنه يترخص مع أنه موصوف بالعدوان لكنا نقول: إنه عام دخله التخصيص في هذه الصورة، والفرق بين الصورتين أن الرخصة إعانة على السفر فإذا كان السفر معصية كانت الرخصة إعانة على المعصية، أما إذا لم