الأليم عند الإطلاق هو عذاب الآخرة وثانيها: أنا بينا أن القود تارة يكون عذابا وتارة يكون امتحانا، كما في حق التائب فلا يصح إطلاق اسم العذاب عليه إلا في وجه دون وجه وثالثها: أن القاتل لمن عفي عنه لا يجوز أن يختص بأن لا يمكن ولي الدم من العفو عنه لأن ذلك حق ولي الدم فله إسقاطه قياسا على تمكنه من إسقاط سائر الحقوق والله أعلم.
قوله تعالى * (ولكم في القصاص حيوة يا أولي الألباب لعلكم تتقون) *.
اعلم أنه سبحانه وتعالى لما أوجب في الآية المتقدمة القصاص وكان القصاص من باب الإيلام توجه فيه سؤال وهو أن يقال كيف يليق بكمال رحمته إيلام العبد الضعيف؟
فلأجل دفع هذا السؤال ذكر عقيبه حكمة شرع القصاص فقال: * (ولكم في القصاص حياة) * وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: في الآية وجوه الأول: أنه ليس المراد من هذه الآية أن نفس القصاص حياة لأن القصاص إزالة للحياة وإزالة الشيء يمتنع أن تكون نفس ذلك الشيء، بل المراد أن شرع القصاص يفضي إلى الحياة في حق من يريد أن يكون قاتلا، وفي حق من يراد جعله مقتولا وفي حق غيرهما أيضا، أما في حق من يريد أن يكون قاتلا فلأنه إذا علم أنه لو قتل قتل ترك القتل فلا يقتل فيبقى حيا، وأما في حق من يراد جعله مقتولا فلأن من أراد قتله إذا خاف من القصاص ترك قتله فيبقى غير مقتول، وأما في حق غيرهما فلأن في شرع القصاص بقاء من هم بالقتل، أو من يهم به وفي بقائهما بقاء من يتعصب لهما، لأن الفتنة تعظم بسبب القتل فتؤدي إلى المحاربة التي تنتهي إلى قتل عالم من الناس وفي تصور كون القصاص مشروعا زوال كل ذلك وفي زواله حياة الكل.
الوجه الثاني: في تفسير الآية أن المراد منها أن نفس القصاص سبب الحياة وذلك لأن سافك الدم إذا أقيد منه ارتدع من كان يهم بالقتل فلم يقتل، فكان القصاص نفسه سببا للحياة من هذا الوجه، واعلم أن الوجه الذي ذكرناه غير مخص بالقصاص الذي هو القتل، يدخل فيه القصاص في الجوارح والشجاج وذلك لأنه إذا علم أنه إن جرح عدوه اقتص منه زجره ذلك عن الإقدام فيصير سببا لبقائهما لأن المجروح لا يؤمن فيه الموت وكذلك الجارح إذا اقتص منه وأيضا