فإن حصل ظن أنه ما طلع كان الأكل والشرب والوقاع مباحا، فإن أكل ثم تبين بعد ذلك أن ذلك الظن خطأ وأن الصبح كان قد طلع عند ذلك الأكل فقد اختلفوا، وكذلك إن ظن أن الشمس قد غربت فأفطر ثم تبين أنها ما كانت غاربة فقال الحسن: لا قضاء في الصورتين قياسا على ما لو أكل ناسيا، وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي في رواية المزني عنه: يجب القضاء لأنه أمر بالصوم من الصبح إلى الغروب ولم يأت به وأما الناسي فعند مالك يجب عليه القضاء، وأما الباقون الذين سلموا أنه لا قضاء قالوا: مقتضى الدليل وجوب القضاء عليه أيضا، إلا أنا أسقطناه عنه للنص، وهو ما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا قال: أكلت وشربت وأنا صائم فقال عليه الصلاة والسلام: أطعمك الله وسقاك فأنت ضيف الله فتم صومك.
والقول الثالث: أنه إذا أخطأ في طلوع الصبح لا يجب القضاء، وإذا أخطأ في غروب الشمس يجب القضاء، والفرق أن الأصل في كل ثابت بقاؤه على ما كان، والثابت في الليل حل الأكل، وفي النهار حرمته، أما إذا لم يغلب على ظنه لا بقاء الليل ولا طلوع الصبح، بل بقي متوقفا في الأمرين، فههنا يكره له الأكل والشرب والجماع، فإن فعل جاز، لأن الأصل بقاء الليل والله أعلم.
أما قوله تعالى: * (ثم أتموا الصيام إلى الليل) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: أن كلمة * (إلى) * لانتهاء الغاية، فظاهر الآية أن الصوم ينتهي عند دخول الليل، وذلك لأن غاية الشئ مقطعه ومنتهاه، وإنما يكون مقطعا ومنتهى إذا لم يبق بعد ذلك، وقد تجئ هذه الكلمة لا للانتهاء كما قوله تعالى: * (إلى المرافق) * (المائدة: 6) إلا أن ذلك على خلاف الدليل، والفرق بين الصورتين أن الليل ليس من جنس النهار، فيكون الليل خارجا عن حكم النهار، والمرافق من جنس اليد فيكون داخلا فيه، وقال أحمد بن يحيى: سبيل إلى الدخول والخروج، وكلا الأمرين جائز، تقول: أكلت السمكة إلى رأسها، وجائز أن يكون الرأس داخلا في الأكل وخارجا منه، إلا أنه لا يشك ذو عقل أن الليل خارج عن الصوم، إذ لو كان داخلا فيه لعظمت المشقة ودخلت المرافق في الغسل أخذا بالأوثق، ثم سواء قلنا إنه مجمل أو غير مجمل، فقد ورد الحديث الصحيح فيه، وهو ما روى عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أقبل الليل من ههنا، وأدبر النهار من ههنا، وقد غربت الشمس فقد أفطر الصائم " فهذا الحديث يدل على أن الصوم ينتهي في هذا الوقت. فأما أنه يجب على المكلف أن يتناول عند هذا الوقت شيئا، فالدليل