مطلقا تصدق بما شاء من قليل أو كثير، ثم قال الشافعي رضي الله عنه: وأحب أن يعتكف يوما وإنما قال ذلك للخروج عن الخلاف، فإن أبا حنيفة رضي الله عنه لا يجوز اعتكاف أقل من يوم بشرط أن يدخل قبل طلوع الفجر، ويخرج بعد غروب الشمس، وحجة الشافعي رضي الله عنه أنه ليس تقدير الإعتكاف بمقدار معين من الزمان أولى من بعض، فوجب ترك التقدير والرجوع إلى أقل ما لا بد منه، وحجة أبي حنيفة رحمه الله أن الإعتكاف هو حبس النفس عليه، وذلك لا يحصل في اللحظة الواحدة، ولأن على هذا التقدير لا يتميز المعتكف عمن ينتظر الصلاة.
أما قوله تعالى: * (تلك حدود الله) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: قوله: * (تلك) * لا يجوز أن يكون إشارة إلى حكم الإعتكاف لأن الحدود جمع ولم يذكر الله تعالى في الإعتكاف إلا حدا واحدا، وهو تحريم المباشرة بل هو إشارة إلى كل ما تقدم في أول آية الصوم إلى ههنا على ما سبق شرح مسائلها على التفصيل.
المسألة الثانية: قال الليث: حد الشئ مقطعه ومنتهاه قال الأزهري: ومنه يقال للمحروم محدود لأنه ممنوع عن الرزق ويقال للبواب: حداد لأنه يمنع الناس من الدخول وحد الدار ما يمنع غيرها من الدخول فيها، وحدود الله ما يمنع من مخالفتها والمتكلمون يسمون الكلام الجامع المانع: حدا، وسمي الحديد: حديدا لما فيه من المنع، وكذلك إحداد المرأة لأنها تمنع من الزينة إذا عرفت الإشتقاق فنقول: المراد من حدود الله محدوداته أي مقدوراته التي قدرها بمقادير مخصوصة وصفات مضبوطة.
أما قوله تعالى: * (فلا تقربوها) * ففيه إشكالان الأول: أن قوله تعالى: * (تلك حدود الله) * إشارة إلى كل ما تقدم، والأمور المتقدمة بعضها إباحة وبعضها حظر فكيف قال في الكل * (فلا تقربوها) * والثاني: أنه تعالى قال في آية أخرى: * (تلك حدود الله فلا تعتدوها) * (البقرة: 229) وقال في آية المواريث * (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده) * (تلك وقال ههنا: * (فلا تقربوها) * فكيف الجمع بينهما؟
والجواب عن السؤالين من وجوه: الأول: وهو الأحسن والأقوى أن من كان في طاعة الله والعمل بشرائعه فهو متصرف في حيز الحق، فنهى أن يتعداه لأن من تعداه وقع في حيز الضلال، ثم بولغ في ذلك فنهى أن يقرب الحد الذي هو الحاجز بين حيز الحق والباطل، لئلا يداني الباطل وأن يكون بعيدا عن الطرف فضلا أن يتخطاه كما قال عليه الصلاة والسلام: " إن لكل ملك حمى وحمى الله محارمه فمن رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه " الثاني: ما ذكره أبو مسلم الأصفهاني: لا تقربوها أي لا تتعرضوا لها بالتغيير كقوله: * (لا تقربوا مال اليتيم) * (الإسراء: 34) الثالث: أن