هدى للناس وأنزل الفرقان) * (آل عمران: 3 - 4) وقال: * (وإذا آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون) * (البقرة: 53) وقال * (ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين) * (الأنبياء: 480) فبين تعالى وتقدس أن القرآن مع كونه هدى في نفسه ففيه أيضا هدى من الكتب المتقدمة التي هي هدى وفرقان الثالث: أن يحمل الأول على أصول الدين، والهدي الثاني على فروع الدين، فحينئذ يزول التكرار والله أعلم.
وأما قوله تعالى: * (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: نقل الواحدي رحمه الله في " البسيط " عن الأخفش والمازني أنهما قالا: الفاء في قوله: * (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) * زائدة، قالا: وذلك لأن الفاء قد تدخل للعطف أو للجزاء أو تكون زائدة، وليس للعطف والجزاء ههنا وجه، ومن زيادة الفاء قوله تعالى: * (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب) * (الجمعة: 8).
وأقول: يمكن أن يقال الفاء ههنا للجزاء فإنه تعالى لما بين كون رمضان مختصا بالفضيلة العظيمة التي لا يشاركه سائر الشهور فيها، فبين أن اختصاصه بتلك الفضيلة يناسب اختصاصه بهذه العبادة، ولولا ذلك لما كان لتقديم بيان تلك الفضيلة ههنا وجه كأنه قيل: لما علم اختصاص هذا الشهر بهذه الفضيلة فأنتم أيضا خصوه بهذه العبادة، أما قوله تعالى: * (فإنه ملاقيكم) * الفاء فيه غير زائدة وأيضا بل هذا من باب مقابلة الضد بالضد كأنه قيل: لما فروا من الموت فجزائهم أن يقرب الموت منهم ليعلموا أنه لا يغني الحذر عن القدر.
المسألة الثانية: * (شهد) * أي حضر والشهود الحضور، ثم ههنا قولان: أحدهما: أن مفعول شهد محذوف لأن المعنى: فمن شهد منكم البلد أو بيته بمعنى لم يكن مسافرا وقوله: * (الشهر) * انتصابه على الظرف وكذلك الهاء في قوله: * (فليصمه) *. والقول الثاني: مفعول * (شهد) * هو * (الشهر) * والتقدير: من شاهد الشهر بعقله ومعرفته فليصمه وهو كما يقال: شهدت عصر فلان، وأدركت زمان فلان، واعلم أن كلا القولين لا يتم إلا بمخالفة الظاهر، أما القول الأول فإنما يتم بإضمار أمر زائد، وأما القول الثاني فيوجب دخول التخصيص في الآية، وذلك لأن شهود الشهر حاصل في حق الصبي والمجنون والمريض والمسافر مع أنه لم يجب على واحد منهم الصوم إلا أنا بينا في أصول الفقه أنه متى وقع التعارض بين التخصيص والإضمار فالتخصيص أولى، وأيضا فلانا على القول الأول لما التزمنا الإضمار لا بد أيضا من التزام التخصيص لأن الصبي والمجنون والمريض كل واحد منهم شهد الشهر مع أنه لا يجب عليهم الصوم بل المسافر لا يدخل فلا يحتاج إلى تخصيص هذه الصورة فيه فالقول الأول لا يتمشى إلا مع