المسألة الثانية: احتج من قال: إن المعلق بلفظ: أن، لا يكون عدما عند عدم ذلك الشيء بهذه الآية، فإنه تعالى علق الأمر بالشكر بكلمة * (إن) * على فعل العباد، مع أن من لا يفعل هذه العبادات يجب عليه الشكر أيضا.
* (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ومآ أهل به لغير الله فمن ضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم) *.
اعلم أنه سبحانه وتعالى لما أمرنا في الآية السالفة بتناول الحلال فصل في هذه الآية أنواع الحرام، والكلام فيها على نوعين النوع الأول: ما يتعلق بالتفسير والنوع الثاني: ما يتعلق بالأحكام التي استنبطها العلماء من هذه الآية " فالنوع الأول " فيه مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أن كلمة * (إنما) * على وجهين أحدهما: أن تكون حرفا واحدا، كقولك: إنما داري دارك، وإنما مالي مالك الثاني: أن تكون * (ما) * منفصلة من: إن، وتكون * (ما) * بمعنى الذي، كقولك: إن ما أخذت مالك، وإن ما ركبت دابتك، وجاء في التنزيل على الوجهين، أما على الأول فقوله: * (إنما الله إله واحد وإنما أنت نذير) * وأما على الثاني فقوله: * (إنما صنعوا كيد ساحر) * (طه: 69) ولو نصبت كيد ساحر على أن تجعل * (إنما) * حرفا واحدا كان صوابا، وقوله: * (إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم) * (العنكبوت: 25) تنصب المودة وترفع على هذين الوجهين، واختلفوا في حكمها على الوجه الأول، فمنهم من قال * (إنما) * تفيد الحصر واحتجوا عليه بالقرآن والشعر والقياس، أما القرآن فقوله تعالى: * (إنما الله إله واحد) * (النساء: 171) أي ما هو إلا إله واحد، وقال: * (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) * (التوبة: 60) أي لهم لا لغيرهم وقال تعالى لمحمد: * (قل إنما أنا بشر مثلكم) * (الكهف: 110) أي ما أنا إلا بشر مثلكم، وكذا هذه الآية فإنه تعالى قال في آية أخرى * (قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير) * (الأنعام: 145) فصارت الآيتان واحدة فقوله: * (إنما حرم عليكم) * في هذه الآية مفسر لقوله: * (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما) * إلا كذا في