العمرة في أشهر الحج والنسخ يثبت في حق الناس كافة.
الحجة الرابعة: أن من كان من أهل الإفراد كان من أهل المتعة قياسا على المدني، إلا أن المتمتع المكي لا دم عليه لما ذكرناه، حجة أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن قوله: * (ذلك) * كناية فوجب عودها إلى كل ما تقدم، لأنه ليس البعض أولى من البعض.
وجوابه: لم لا يجوز أن يقال عوده إلى الأقرب أولى لأن القرب سبب للرجحان أليس أن مذهبه أن الاستثناء المذكور عقيب الجمل مختص بالجملة الأخيرة، وإنما تميزت تلك الجملة عن سائر الجمل بسبب القرب فكذا ههنا.
المسألة الثانية: اختلفوا في المراد بحاضري المسجد الحرام، فقال مالك: هم أهل مكة وأهل ذي طوى قال: فلو أن أهل منى أحرموا بالعمرة من حيث يجوز لهم، ثم أقاموا بمكة حتى حجوا كانوا متمتعين، وسئل مالك رحمه الله عن أهل الحرم أيجب عليهم ما يجب على المتمتع، قال: نعم وليس هم مثل أهل مكة فقيل له: فأهل منى فقال: لا أرى ذلك إلا لأهل مكة خاصة وقال طاوس حاضروا المسجد الحرام هم أهل الحرم، وقال الشافعي رضي الله عنه: هم الذي يكونون على أقل من مسافة القصر من مكة، فإن كانوا على مسافة القصر فليسوا من الحاضرين، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: حاضروا المسجد الحرام أهل المواقيت، وهي ذو الحليفة والجحفة وقرن ويلملم وذات العرق، فكل من كان من أهل موضع من هذه المواضع، أو من أهل ما وراءها إلى مكة فهو من حاضري المسجد الحرام، هذا هو تفصيل مذاهب الناس، ولفظ الآية موافق لمذهب مالك رحمه الله، لأن أهل مكة هم الذي يشاهدون المسجد الحرام ويحضرونه، فلفظ الآية لا يدل إلا عليهم، إلا أن الشافعي قال: كثيرا ما ذكر الله المسجد الحرام، والمراد منه الحرم، قال تعالى: * (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام) * (الإسراء: 1) ورسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أسري به من الحرم لا من المسجد الحرام، وقال: * (ثم محلها إلى البيت العتيق) * (الحج: 33) والمراد الحرم، لأن الدماء لا تراق في البيت والمسجد، إذا ثبت هذا فنقول: المراد من المسجد الحرام ههنا ما ذكرناه ويدل عليه وجهان الأول: الحاضر ضد المسافر، وكل من لم يكن مسافرا كان حاضرا، ولما كان حكم السفر إنما ثبت في مسافة القصر، فكل من كان دون مسافة القصر لم يكن مسافرا وكان حاضرا الثاني: أن العرب تسمي أهل القرى: حاضرة وحاضرين، وأهل البر: بادية وبادين ومشهور كلام الناس: أهل البدو والحضر يراد بهما أهل الوبر والمدر.