محرما بمقتضى هذه الآية فإذن هذه الآية خاصة وقوله: * (حرمت عليكم الميتة والدم) * عام والخاص مقدم على العام، أجاب الشافعي رضي الله عنه بأن قوله: * (قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما) * ليس فيه دلالة على تحليل غير هذه الأشياء المذكورة في هذه الآية، بل على أنه تعالى ما بين له إلا تحريم هذه الأشياء، وهذا لا ينافي أن يبين له بعد ذلك تحريم ما عداها، فلعل قوله تعالى: * (إنما حرم عليكم الميتة) * نزلت بعد ذلك، فكان ذلك بيانا لتحريم الدم سواء كان مسفوحا أو غير مسفوح، إذا ثبت هذا وجب الحكم بحرمة جميع الدماء ونجاستها فتجب إزالة الدم عن اللحم ما أمكن، وكذا في السمك، وأي دم وقع في الماء والثوب فإنه ينجس ذلك المورود.
المسألة الثانية: اختلفوا في قوله عليه الصلاة والسلام: " أحلت لنا ميتتان ودمان الطحال والكبد " هل يطلق اسم الدم عليهما فيكون استثناء صحيحا أم لا؟ فمنهم من منع ذلك لأن الكبد يجري مجرى اللحم وكذا الطحال وإنما يوصفان بذلك تشبيها، ومنهم من يقول هو كالدم الجامد ويستدل عليه بالحديث.
الفصل الثالث في الخنزير، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: أجمعت الأمة على أن الخنزير بجميع أجزائه محرم، وإنما ذكر الله تعالى لحمه لأن معظم الإنتفاع متعلق به، وهو كقوله: * (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) * (الجمعة: 9) فخص البيع بالنهي لما كان هو أعظم المهمات عندهم، أما شعر الخنزير فغير داخل في الظاهر وإن أجمعوا على تحريمة وتنجيسه، واختلفوا في أنه هل يجوز الانتفاع به للخرز، فقال أبو حنيفة ومحمد: يجوز، وقال الشافعي رحمه الله: لا يجوز، وقال أبو يوسف: أكره الخرز به، وروى عنه الإباحة، حجة أبي حنيفة ومحمد أنا نرى المسلمين يقرون الأساكفة على استعماله من غير نكير ظهر منهم، ولأن الحاجة ماسة إليه، وإذا قال الشافعي في دم البراغيث، أنه لا ينجس الثوب لمشقة الإحتراز فهلا جاز مثله في شعر الخنزير إذا خرز به؟.
المسألة الثانية: اختلفوا في خنزير الماء، قال ابن أبي ليلى ومالك والشافعي والأوزاعي: لا بأس يأكل شيء يكون في البحر، وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يؤكل، حجة الشافعي قوله تعالى: * (أحل لكم صيد البحر وطعامه) * (المائدة: 96) وحجة أبي حنيفة أن هذا خنزير فيحرم لقوله تعالى: * (حرمت