الحكم السابع من الأحكام المذكورة في هذه السورة الاعتكاف قوله تعالى: * (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) *.
اعلم أنه تعالى لما بين الصوم، وبين أن من حكمه تحريم المباشرة، كان يجوز أن يظن في الإعتكاف أن حاله كحال الصوم في أن الجماع يحرم فيه نهارا لا ليلا، فبين تعالى تحريم المباشرة فيه نهارا وليلا، فقال: * (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) * ثم في الآية مسائل:
المسألة الأولى: قال الشافعي رضي الله عنه: الإعتكاف اللغوي ملازمة المرء للشئ وحبس نفسه عليه، برا كان أو إثما، قال تعالى: * (يعكفون على أصنام لهم) * (الأعراف: 138) والاعتكاف الشرعي: المكث في بيت الله تقربا إليه، وحاصله راجع إلى تقييد اسم الجنس بالنوع بسبب العرف، وهو من الشرائع القديمة، قال الله تعالى: * (طهرا بيتي للطائفين والعاكفين) * (البقرة: 125) وقال تعالى: * (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) *.
المسألة الثانية: لو لمس الرجل المرأة بغير شهوة جاز، لأن عائشة رضي الله عنها كانت ترجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معتكف، أما إذا لمسها بشهوة، أو قبلها، أو باشرها فيما دون الفرج، فهو حرام على المعتكف، وهو يبطل بها اعتكافه؟ للشافعي رحمه الله فيه قولان: الأصح أنه يبطل، وقال أبو حنيفة، لا يفسد الإعتكاف إذا لم ينزل، احتج من قال بالإفساد أن الأصل في لفظ المباشرة ملاقاة البشرتين، فقوله: * (ولا تباشروهن) * منع من هذه الحقيقة، فيدخل فيه الجماع وسائر هذه الأمور، لأن مسمى المباشرة حاصل في كلها.
فإن قيل: لم حملتم المباشرة في الآية المتقدمة على الجماع؟
قلنا: لأن ما قبل الآية يدل على أنه هو الجماع، وهو قوله: * (أحل لكم ليلة الصيام الرفث) * وسبب نزول تلك الآية يدل على أنه هو الجماع، ثم لما أذن في الجماع كان ذلك إذنا فيما دون الجماع بطريق الأولى، أما ههنا فلم يوجد شئ من هذه القرائن، فوجب إبقاء لفظ المباشرة على موضعه الأصلي وحجة من قال: إنها لا تبطل الإعتكاف، أجمعنا على أن هذه المباشرة لا تفسد الصوم والحج، فوجب أن لا تفسد الإعتكاف لأن الاعتكاف ليس أعلى درجة منهما والجواب: أن النص مقدم على القياس.
المسألة الثالثة: اتفقوا على أن شرط الإعتكاف ليس الجلوس في المسجد وذلك لأن المسجد