وما وجدته، وروي عن مالك رضي الله عنه أن ما وجد ميتا لا يحل، وأما ما أخذ حيا ثم قطع رأسه وشوي أكل، وما أخذ حيا فغفل عنه حتى يموت لم يؤكل حجة مالك ظاهر الآية، وحجة الشافعي وأبي حنيفة قوله عليه السلام: " أحلت لنا ميتتان السمك والجراد " فوجب حملهما على الإطلاق فتبين بذلك أن قطع رأسه إن جعل له ذكاة فهو كالشاة المذكاة في أنه لا يكون ميتة، فلا يكون لقوله عليه السلام " أحلت لنا ميتتان " فائدة وقال عبد الله بن أبي أوفي: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد ولا نأكل غيره، فلم يفرق بين ميتة وبين مقتولة. المسألة الثامنة: اختلفوا في الجنين إذا خرج ميتا بعد ذبح الأم، فقال أبو حنيفة، لا يؤكل إلا أن يخرج حيا فيذبح، وهو قول حماد، وقال الشافعي وأبو يوسف ومحمد: أنه يؤكل وهذا هو المروى عن علي، وابن مسعود، وابن عمر، وقال مالك: إن تم خلقه ونبت شعره أكل، وإلا لم يؤكل، وهو قول سعيد بن المسيب، واحتج أبو حنيفة بظاهر هذه الآية وهو أنه ميتة، فوجب أن يحرم، قال الشافعي، أخصص هذا العموم بالخبر والقياس، أما الخبر فهو أنا أجمعنا على أن المذكى مباح وهذا مذكى، لما روى أبو سعيد الخدري، وأبو الدرداء، وأبو أمامة، وكعب بن مالك، وابن عمر وأبو أيوب، وأبو هريرة رضي الله عنهم، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ذكاه الجنين ذكاة أمه " وتقريره أن كون الذكاة سببا للإباحة حكم شرعي، فجاز أن تكون ذكاة الجنين حاصلة شرعا بتحصيل ذكاة أمه، أجاب الحنفيون بأن قوله ذكاة الجنين ذكاة أمه، يحتمل أن يريد به أن ذكاة أمه ذكاة له، ويحتمل أن يريد به إيجاب تذكيته كما تذكي أمه، وأنه لا يؤكل بغير ذكاة، كقوله تعالى: * (وجنة عرضها السماوات والأرض) * (آل عمران: 133) ومعناه كعرض السماوات والأرض، وكقول القائل: قولي قولك، ومذهبي مذهبك، وإنما المعنى: قولي كقولك، ومذهبي كمذهبك، وقال الشاعر: فعيناك عيناها * وجيدك جيدها وإذا ثبت ما ذكرنا كان أحد، الإحتمالين إيجاب تذكيته، وأنه لا يؤكل غير مذكى في نفسه، والآخر أن ذكاة أمه تبيح أكله، وإذا كان كذلك لم يجز تخصيص الأمر بل يجب حمله على المعنى الموافق للآية، أجاب الشافعي رضي الله عنه من وجوه أحدها: أن على الإحتمال الذي ذكرتموه لا بد فيه من إضمار وهو أن ذكاة الجنين كذكاة أمه، والإضمار خلاف الأصل وثانيها: أنه لا يسمى جنينا إلا حال كونه في بطن أمه، ومتى ولد لا يسمى جنينا، والنبي عليه الصلاة والسلام إنما أثبت له الذكاة حال كونه جنينا، فوجب أن يكون في تلك الحالة مذكي
(١٩)