الفصل الأول فيما يتعلق بالميتة والكلام فيه مرتب على مقدمة ومقاصد:
أما المقدمة: ففيها ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: اختلفوا في أن التحريم المضاف إلى الأعيان، هل يقتضي الإجمال؟ فقال الكرخي: إنه يقتضي الإجمال، لأن الأعيان لا يمكن وصفها بالحل والحرمة، فلا بد من صرفهما إلى فعل من أفعالنا فيها، وليست جميع أفعالنا فيها محرمة لأن تبعيدها عن النفس وعما يجاوز المكان فعل من الأفعال فيها، وهو غير محرم، فإذن لا بد من صرف هذا التحريم إلى فعل خاص، وليس بعض الأفعال أولى من بعض فوجب صيرورة الآية مجملة، وأما أكثر العلماء فإنهم أصروا على أنه ليس من المجملات بل هذه اللفظة تفيد في العرف حرمة التصرف في هذه الأجسام كما أن الذوات لا تملك وإنما يملك التصرفات فيها، فإذا قيل فلان يملك جارية فهم كل أحد أنه يملك التصرف فيها فكذا هنا، وقد استقصينا الكلام فيه من كتاب المحصول في علم الأصول.
المسألة الثانية: لما ثبت الأصل الذي قدمناه وجب أن تدل الآية على حرمة جميع التصرفات إلا ما أخرجه الدليل المخصص، فإن قيل: لم لا يجوز تخصيص هذا التحريم بالأكل، والذي يدل عليه وجوه أحدها: أن المتعارف من تحريم الميتة تحريم أكلها وثانيها: أنه ورد عقيب قوله: * (كلوا من طيبات ما رزقناكم) * (البقرة: 57) وثالثها: ما روي عن الرسول عليه السلام في خبر شاة ميمونة، إنما حرم من الميتة أكلها.
والجواب عن الأول: لا نسلم أن المتعارف من تحريم الميتة تحريم أكلها وعن الثاني: أن هذه الآية مستقلة بنفسها فلا يجب قصرها على ما تقدم، بل يجب إجراؤها على ظاهرها وعن الثالث: أن ظاهر القرآن مقدم على خبر الواحد، لكن هذا إنما يستقيم إذا لم يجوز تخصيص القرآن بخبر الواحد، ويمكن أن يجاب عنه بأن المسلمين إنما رجعوا في معرفة وجوه الحرمة إلى هذه الآية، فدل انعقاد اجماعهم على أنها غير مخصوصة ببيان حرمة الأكل، وللسائل أن يمنع هذا الإجماع.
المسألة الثالثة: الميتة من حيث اللغة هو الذي خرج من أن يكون حيا من دون نقض بنية ولذلك فرقوا بين المقتول والميت، وأما من جهة الشرع فهو غير المذكي إما لأنه لم يذبح أو