اعتداءهم عليكم ولا تحملنكم حرمة الشهر على أن تستسلموا لمن قاتلكم فتهلكوا بترككم القتال فإنكم بذلك تكونون ملقين بأيديكم إلى التهلكة الوجه الرابع: في التأويل أن يكون المعنى: أنفقوا في سبيل الله ولا تقولوا إنا نخاف الفقر إن أنفقنا فنهلك ولا يبقى معنا شئ، فنهوا أن يجعلوا أنفسهم هالكين بالإنفاق، والمراد من هذا الجعل والإلقاء الحكم بذلك كما يقال جعل فلان فلانا هالكا وألقاه في الهلاك إذا حكم عليه بذلك الوجه الخامس: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة هو الرجل يصيب الذنب الذي يرى أنه لا ينفعه معه عمل فذاك هو إلقاء النفس إلى التهلكة فالحاصل أن معناه النهي عن القنوط عن رحمة الله لأن ذلك يحمل الإنسان على ترك العبودية والإصرار على الذنب الوجه السادس: يحتمل أن يكون المراد وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا ذلك الإنفاق في التهلكة والإحباط، وذلك بأن تفعلوا بعد ذلك الإنفاق فعلا يحبط ثوابه إما بتذكير المنة أو بذكر وجوه الرياء والسمعة، ونظيره قوله تعالى: * (ولا تبطلوا أعمالكم) * (محمد: 33).
أما قوله تعالى: * (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: اختلفوا في أن المحسن مشتق من ماذا وفيه وجوه الأول: أنه مشتق من فعل الحسن وأنه كثر استعماله فيمن ينفع غيره بنفع حسن من حيث أن الإحسان حسن في نفسه، وعلى هذا التقدير فالضرب والقتل إذا حسنا كان فاعلهما محسنا الثاني: أنه مشتق من الإحسان، ففاعل الحسن لا يوصف بكونه محسنا إلا إذا كان فعله حسنا وإحسانا معا، فالإشتقاق إنما يحصل من مجموع الأمرين.
المسألة الثانية: قوله: * (وأحسنوا) * فيه وجوه أحدها: قال الأصم: أحسنوا في فرائض الله وثانيها: وأحسنوا في الإنفاق على من تلزمكم مؤنته ونفقته، والمقصود منه أن يكون ذلك الإنفاق وسطا فلا تسرفوا ولا تقتروا، وهذا هو الأقرب لاتصاله بما قبله ويمكن حمل الآية على جميع الوجوه.
وأما قوله: * (إن الله يحب المحسنين) * فهو ظاهر وقد تقدم تفسيره مرارا.
قوله تعالى (وأتموا الحج والعمرة لله فان أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤوسكم