حتى رووا، وأما فضل هذا اليوم فدل عليه قوله تعالى: * (والشفع والوتر) * (الشفع: 3) عن ابن عباس بأن الشفع التروية وعرفة، والوتر يوم النحر، وعن عبادة أنه عليه الصلاة والسلام قال: " صيام عشر الأضحى كل يوم منها كالشهر، ولمن يصوم يوم التروية سنة، ولمن يصوم يوم عرفة سنتان " وروى أنس أنه عليه الصلاة والسلام قال: " من صام يوم التروية أعطاه الله مثل ثواب أيوب على بلائه، ومن صام يوم عرفة أعطاه الله تعالى مثل ثواب عيسى بن مريم عليه السلام ".
وأما يوم عرفة فله عشرة أسماء، خمسة منها مختصة به، وخمسة مشتركة بينه وبين غيره، أما الخمسة الأولى فأحدها: عرفة، وفي اشتقاقه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه مشتق من المعرفة، وفيه ثمانية أقوال الأول: قول ابن عباس: إن آدم وحواء التقيا بعرفة فعرف أحدهما صاحبه فسمى اليوم عرفة، والموضع عرفات، وذلك أنهما لما أهبطا من الجنة وقع آدم بسرنديب، وحواء بجدة، وإبليس بنيسان، والحية بأصفهان، فلما أمر الله تعالى آدم بالحج لقي حواء بعرفات فتعارفا وثانيها: أن آدم علمه جبريل مناسك الحج، فلما وقف بعرفات قال له: أعرفت؟ قال نعم، فسمى عرفات وثالثها: قول علي وابن عباس وعطاء والسدي: سمي الموضع عرفات لأن إبراهيم عليه السلام عرفها حين رآها بما تقدم من النعت والصفة ورابعها: أن جبريل كان علم إبراهيم عليه السلام المناسك، وأوصله إلى عرفات، وقال له: أعرفت كيف تطوف وفي أي موضع تقف؟ قال نعم وخامسها: أن إبراهيم عليه السلام وضع ابنه إسماعيل وأمه هاجر بمكة ورجع إلى الشام ولم يلتقيا سنين، ثم التقيا يوم عرفة بعرفات وسادسها: ما ذكرناه من أمر منام إبراهيم عليه السلام وسابعها: أن الحاج يتعارفون فيه بعرفات إذا وقفوا وثامنها: أنه تعالى يتعرف فيه إلى الحاج بالمغفرة والرحمة.
القول الثاني: في اشتقاق عرفة أنه من الإعتراف لأن الحجاج إذا وقفوا في عرفة اعترفوا للحق بالربوبية والجلال والصمدية والإستغناء ولأنفسهم بالفقر والذلة والمسكنة والحاجة ويقال: إن آدم وحواء عليهما السلام لما وقفا بعرفات قالا: ربنا ظلمنا أنفسنا، فقال الله سبحانه وتعالى الآن عرفتما أنفسكما.
والقول الثالث: أنه من العرف وهو الرائحة الطيبة قال تعالى: * (يدخلهم الجنة عرفها لهم) * (محمد: 6) أي طيبها لهم، ومعنى ذلك أن المذنبين لما تابوا في عرفات فقد تخلصوا عن نجاسات الذنوب، ويكتسبون به عند الله تعالى رائحة طيبة، قال عليه الصلاة والسلام: " خلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك "