" من حرق حرقناه، ومن غرق غرقناه " ومما يروى أن يهوديا رضخ رأس صبيه بالحجارة فقتلها، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن ترضخ رأس اليهودي بالحجارة، وإذا ثبت هذا بلغت دلالة الآية مع سائر الآيات، ومع هذه الأحاديث على قول الشافعي مبلغا قويا، واحتج أبو حنيفة بقوله عليه السلام: " لا قود إلا بالسيف " وبقوله عليه السلام: " لا يعذب بالنار إلا ربها " والجواب أن الأحاديث لما تعارضت بقيت دلالة الآيات خالية عن المعارضات والله أعلم.
المسألة الثالثة: اتفقوا على أن هذا القاتل إذا لم يتب وأصر على ترك التوبة؛ فإن القصاص مشروع في حقه عقوبة من الله تعالى وأما إذا كان تائبا فقد اتفقوا على أنه لا يجوز أن يكون عقوبة وذلك لأن الدلائل دلت على أن التوبة مقبولة قال تعالى: * (وهو الذي يقبل التوبة عن عبادة ويعفوا عن السيئات) * (الشورى: 25) وإذا صارت التوبة مقبولة امتنع أن يبقى التائب مستحقا لعقاب، ولأنه عليه السلام قال: " التوبة تمحو الحوبة " فثبت أن شرع القصاص في حق التائب لا يمكن أن يكون عقوبة ثم عند هذا اختلفوا فقال أصحابنا: يفعل الله ما يشاء ولا اعتراض عليه في شيء وقالت المعتزلة إنما شرع ليكون لطفا به ثم سألوا أنفسهم فقالوا: إنه لا تكلف بعد القتل فكيف يكون هذا القتل لطفا به؟ وأجابوا عنه بأن هذا القتل فيه منفعة لولي المقتول من حيث التشفي ومنفعة لسائر المكلفين من حيث يزجر سائر الناس عن القتل، ومنفعة للقاتل من حيث إنه متى علم أن لا بد وأن يقتل صار ذلك داعيا له إلى الخير وترك الإصرار والتمرد.
أما قوله تعالى: * (الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى) * ففيه قولان:
القول الأول: إن هذه الآية تقتضي أن لا يكون القصاص مشروعا إلا بين الحرين وبين العبدين وبين الأنثيين.
واحتجوا عليه بوجوه الأول: أن الألف واللام في قوله: * (الحر) * تفيد العموم فقوله: * (الحر بالحر) * يفيد أن يقتل كل حر بالحر، فلو كان قتل حر بعبد مشروعا لكان ذلك الحر مقتولا لا بالحر وذلك ينافي إيجاب أن يكون كل حر مقتولا بالحر الثاني: أن الباء من حروف الجر فيكون متعلقا لا محالة بفعل، فيكون التقدير: الحر يقتل بالحر والمبتدأ لا يكون أعم من الخبر، بل إما أن يكون مساويا له أو أخص منه، وعلى التقديرين فهذا يقتضي أن يكون كل حر مقتولا بالحر وذلك ينافي كون حر مقتولا بالعبد الثالث: وهو أنه تعالى أوجب في أول الآية رعاية المماثلة وهو قوله: * (كتب عليكم القصاص في القتلى) * فلما ذكر عقيبة قوله: * (الحر بالحر والعبد بالعبد) *