عجزه في ذلك عند مطالبتي إياه بالدليل، ثم قولك أحسن وإن كان ينبغي أن يكون مرفوعا كما في قولك: ما أحسن زيد إذا استفهمت عن أحسن عضو من أعضائه، إلا أنه نصب ليقع الفرق بين ذلك الاستفهام وبين هذا، فإن هناك معنى قولك: ما أحسن زيد أي عضو من زيد أحسن، وفي هذا معناه أي شيء من الموجودات في العالم أحسن من زيد، وبينهما فرق كما ترى، واختلاف الحركات موضوع للدلالة على اختلاف المعاني والنصب قولنا زيدا أيضا للفرق لأنه هناك خفض لأنه أضيف أحسن إليه، ونصب هنا للفرق، وأيضا ففي كل تفضيل معنى الفعل، وفي كل ما فضل عليه غيره معنى المفعول، فإن معنى قولك: زيد أعلم من عمرو، أن زيدا جاوز عمرا في العلم، فجعل هذا المعنى معتبرا عند الحاجة إلى الفرق.
القول الرابع: وهو أيضا قول بعض الكوفيين قال إن * (ما) * للاستفهام وأحسن فعل كما يقوله البصريون، معناه: أي شيء حسن زيدا، كأنك تستدل بكمال هذا الحسن على كمال فاعل هذا الحسن، ثم تقول: إن عقلي لا يحيط بكنه كماله، فتسأل غيرك أن يشرح لك كماله، فهذا جملة ما قيل في هذا الباب.
وأما تحقيق الكلام في أفعل به فسنذكره إن شاء الله في قوله: * (أسمع بهم وأبصر) * (مريم: 38).
* (ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا فى الكتاب لفى شقاق بعيد) *.
اعلم أن في الآية مسائل:
المسألة الأولى: اختلفوا في أن قوله: * (ذلك) * إشارة إلى ماذا؟ فذكروا وجهين:
الأول: أنه إشارة إلى ما تقدم من الوعيد، لأنه تعلى لما حكم على الذين يكتمون البينات بالوعيد الشديد، بين أن ذلك الوعيد على ذلك الكتمان إنما كان لأن الله نزل الكتاب بالحق في صفة محمد صلى الله عليه وسلم، وأن هؤلاء اليهود والنصارى لأجل مشاقة الرسول يخفونه ويوقعون الشبهة فيه، فلا جرم استحقوا ذلك الوعيد الشديد، ثم قد تقدم في وعيدهم أمور: أحدها: أنهم اشتروا العذاب بالمغفرة وثانيها: اشتروا الضلالة بالهدى وثالثها: أن لهم عذابا أليما ورابعها: أن الله لا يزكيهم وخامسها: أن الله لا يكلمهم فقوله: * (ذلك) * يصلح أن يكون إشارة