فالسؤال المذكور إن كان متوجها على هذا التفسير لم يكن متوجها على التفسيرات الثلاثة المتقدمة، فثبت أن الإشكال زائل.
المسألة الرابعة: قالت المعتزلة: * (أجيب دعوة الداع إذا دعان) * مختص بالمؤمنين * (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) * (الأنعام: 82) وذلك لأن وصفنا الإنسان بأن الله تعالى قد أجاب دعوته، صفة مدح وتعظيم، ألا ترى أنا إذا أردنا المبالغة في تعظيم حال إنسان في الدين قلنا إنه مستجاب الدعوة وإذا كان هذا من أعظم المناصب في الدين، والفاسق واجب الإهانة في الدين، ثبت أن هذا الوصف لا يثبت إلا لمن لا يتلوث إيمانه بالفسق، بل الفاسق قد يفعل الله ما يطلبه إلا أن ذلك لا يسمى إجابة الدعوة.
أما قوله تعالى: * (فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: وجه الناظم أن يقال: إنه تعالى قال: أنا أجيب دعاءك مع أني غني عنك مطلقا، فكن أنت أيضا مجيبا لدعائي مع أنك محتاج إلى من كل الوجوه، فما أعظم هذا الكرم، وفيه دقيقة أخرى وهي أنه تعالى لم يقل للعبد: أجب دعائي حتى أجيب دعاءك، لأنه لو قال ذلك لصار لدعائي، وهذا تنبيه على أن إجابة الله عبده فضل منه ابتداء، وأنه غير معلل بطاعة العبد، وأن إجابة الرب في هذا الباب إلى العبد متقدمة على اشتغال العبد بطاعة الرب، وهذا يدل على فساد ما نقلناه عن المعتزلة في المسألة الرابعة.
المسألة الثانية: قال الواحدي: أجاب واستجاب بمعنى واحد: قال كعب الغنوي:
وداع دعا يا من يجيب إلى الندا * فلم يستجبه عند ذاك مجيب وقال أهل المعنى: الإجابة من العبد لله الطاعة، وإجابة الله لعبده إعطاؤه إياه مطلوبه، لأن إجابة كل شئ على وفق ما يليق به.
المسألة الثالثة: إجابة العبد لله إن كانت إجابة بالقلب واللسان، فذاك هو الإيمان، وعلى هذا التقدير يكون قوله: * (فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي) * تكرارا محضا، وإن كانت إجابة العبد لله عبارة عن الطاعات كان الإيمان مقدما على الطاعات، وكان حق النظم أن يقول: فليؤمنوا بي وليستجيبوا لي، فلم جاء على العكس منه؟.
وجوابه: أن الاستجابة عبارة عن الإنقياد والاستسلام، والإيمان عبارة عن صفة القلب، وهذا يدل على أن العبد لا يصل إلى نور الإيمان وقوته إلا بتقدم الطاعات والعبادات.
أما قوله تعالى: * (لعلهم يرشدون) * فقال صاحب " الكشاف ": قرىء * (يرشدون) * بفتح الشين