والثاني: أن يكون قوله: * (ولبئس المهاد) * أي لبئس المستقر كقوله: * (جهنم يصلونها وبئس القرار) * (إبراهيم: 29) وقال بعض العلماء: المهاد الفراش للنوم، فلما كان المعذب في النار يلقى على نار جهنم جعل ذلك معادا له وفراشا.
قوله تعالى * (ومن الناس من يشرى نفسه ابتغآء مرضات الله والله روءوف بالعباد) *.
اعلم أنه تعالى لما وصف في الآية المتقدمة حال من يبذل دينه لطلب الدنيا ذكر في هذه الآية حال من يبذل دنياه ونفسه وماله لطلب الدين فقال: * (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله) * ثم في الآية مسائل:
المسألة الأولى: في سبب النزول روايات أحدها: روى ابن عباس أن هذه الآية نزلت في صهيب بن سنان مولى عبد الله بن جدعان، وفي عمار بن ياسر، وفي سمية أمه، وفي ياسر أبيه، وفي بلال مولى أبي بكر، وفي خباب بن الأرت، وفي عابس مولى حويطب أخذهم المشركون فعذبوهم، فأما صهيب فقال لأهل مكة: إني شيخ كبير، ولي مال ومتاع، ولا يضركم كنت منكم أو من عدوكم تكلمت بكلام وأنا أكره أن أنزل عنه وأنا أعطيكم مالي ومتاعي وأشتري منكم ديني، فرضوا منه بذلك وخلوا سبيله، فانصرف راجعا إلى المدينة، فنزلت الآية، وعند دخول صهيب المدينة لقيه أبو بكر رضي الله عنه فقال له: ربح بيعك، فقال له صهيب: وبيعك فلا نخسر ما ذاك؟ فقال: أنزل الله فيك كذا، وقرأ عليه الآية، وأما خباب بن الأرت وأبو ذر فقد فرا وأتيا المدينة، وأما سمية فربطت بين بعيرين ثم قتلت وقتل ياسر، وأما الباقون فأعطوا بسبب العذاب بعض ما أراد المشركون فتركوا، وفيهم نزل قول الله تعالى: * (والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا) * النحل: 41) بتعذيب أهل مكة * (لنبوأنهم في الدنيا حسنة) * (النحل: 41) بالنصر والغنيمة، ولأجر الآخرة أكبر، وفيهم نزل: * (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) *.
والرواية الثانية: أنها نزلت في رجل أمر معروف ونهى عن منكر، عن عمر وعلي وابن عباس رضي الله عنهم.
والرواية الثالثة: نزلت في علي بن أبي طالب بات على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم