الحكم الخامس قوله تعالى * (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حقا على المتقين) *.
اعلم أن قوله تعالى: * (كتب عليكم) * يقتضي الوجوب على ما بيناه، أما قوله: * (إذا حضر أحدكم الموت) * فليس المراد منه معاينة الموت، لأن في ذلك الوقت يكون عاجزا عن الإيصاء ثم ذكروا في تفسيره وجهين الأول: وهو اختيار الأكثرين أن المراد حضور أمارة الموت، وهو المرض المخوف وذلك ظاهر في اللغة، يقال فيمن يخاف عليه الموت: إنه قد حضره الموت كما يقال لمن قارب البلد إنه قد وصل والثاني: قول الأصم أن المراد فرض عليكم الوصية في حالة الصحة بأن تقولوا: إذا حضرنا الموت فافعلوا كذا قال القاضي: والقول الأول أولى لوجهين أحدهما: أن الموصي وإن لم يذكر في وصيته الموت جاز والثاني: أن ما ذكرناه هو الظاهر، وإذا أمكن ذلك لم يجز حمل الكلام على غيره.
أما قوله * (إن ترك خيرا) * (العاديات: 8) فلا خلاف أنه المال ههنا والخير يراد به المال في كثير من القرآن كقوله: * (وما تنفقوا من خير) * (البقرة: 272) * (وإنه لحب الخير) * (العاديات: 8) * (من خير فقير) * وإذا عرفت هذا فنقول: ههنا قولان: أحدهما: أنه لا فرق بين القليل والكثير، وهو قول الزهري، فالوصية واجبة في الكل، واحتج عليه بوجهين: * (الأول) * أن الله تعالى أوجب الوصية فيما إذا ترك خيرا، والمال القليل خير، يدل عليه القرآن والمعقول، أما القرآن فقوله تعالى: * (فم يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) * (الزلزلة: 7 - 8) وأيضا قوله تعالى: * (لما أنزلت إلي من خير فقير) * وأما المعقول فهو أن الخير ما ينتفع به، والمال القليل كذلك فيكون خيرا.
الحجة الثانية: أن الله تعالى اعتبر أحكام المواريث فيما يبقى من المال قل أم كثر، بدليل قوله تعالى: * (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا) * (النساء: 7) فوجب أن يكون الأمر كذلك في الوصية.