في حق المكي، والجمع بين العبادتين لا يوجب الدم أيضا بدليل أن من جمع بين الصلاة والصوم والاعتكاف لا يلزمه الدم، فثبت بهذا أن هذا الدم ليس دم نسك فلا بد وأن يكون دم جبران.
الحجة الثالثة: أن الله تعالى أوجب الهدي على التمتع بلا توقيت، وكونه غير مؤقت دليل على أنه دم جبران لأن المناسك كلها مؤقتة.
الحجة الرابعة: أن للصوم فيه مدخلا، ودم النسك لا يبدل بالصوم، وإذا عرفت صحة ما ذكرنا فنقول: أن الله تعالى ألزم المكلف إتمام الحج في قوله: * (وأتموا الحج والعمرة لله) * وقد دللنا على أن حج التمتع غير تام، فلهذا قال تعالى: * (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي) * وذلك لأن تمتعكم يوقع نقصا في حجتكم فأجبروه بالهدي لتكمل به حجتكم فهذا معنى حسن مفهوم من سياق الآية وهو لا يتقرر إلا على مذهب الشافعي رضي الله عنه.
المسألة الثالثة: الدم الواجب بالتمتع: دم شاة جذعة من الضأن أو ثنية من المعز، ولو تشارك ستة في بقرة أو بدنة جاز، ووقت وجوبه بعدما أحرم بالحج، لأن الفاء في قوله: * (فما استيسر من الهدي) * يدل على أنه وجب عقيب التمتع، ويستحب أن يذبح يوم النحر، فلو ذبح بعد ما أحرم بالحج جاز لأن التمتع قد تحقق، وعند أبي حنيفة رضي الله عنه لا يجوز، وأصل هذا أن دم التمتع عندنا دم جبران كسائر دماء الجبرانات، وعنده دم نسك كدم الأضحية فيختص بيوم النحر.
أما قوله تعالى: * (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام) * فالمعنى أن المتمتع إن وجد الهدي فلا كلام وإن لم يجد فقد بين الله تعالى بدله من الصيام، فلهذا الهدي أفضل أم الصيام؟ الظاهر أن يكون المبدل الذي هو الأصل أفضل، لكنه تعالى بين في هذا البدل أنه في الكمال والثواب كالهدي وهو كقوله: * (تلك عشرة كاملة) * وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: الآية نص فيما إذا لم يجد الهدي، والفقهاء قاسوا عليه ما إذا وجد الهدي ولم يجد ثمنه، أو كان ماله غائبا، أو يباع بثمن غال فهنا أيضا يعدل إلى الصوم.
المسألة الثانية: قوله: * (فصيام ثلاثة أيام في الحج) * أي فعليه ثلاثة أيام وقت اشتغاله بالحج ويتفرع عليه مسألة فقهية، وهي أن المتمتع إذا لم يجد الهدي لا يصح صومه بعد إحرام العمرة قبل إحرام الحج، وقال أبو حنيفة رحمه الله: يصح حجة الشافعي رضي الله عنه من وجوه الأول: أنه صام قبل وقته فلا يجوز كمن صام رمضان قبله، وكما إذا صام السبعة أيام قبل الرجوع وإنما قلنا: إنه صام قبل وقته، لأن الله تعالى قال: * (فصيام ثلاثة أيام في الحج) * وأراد به