يحرم عليه الأكل بعد ذلك.
المسألة الثالثة: اختلفوا في المضطر إذا وجد كل ما يعد من المحرمات، فالأكثرون من العلماء خيروه بين الكل لأن الميتة والدم ولحم الخنزير سواء في التحريم والاضطرار، فوجب أن يكون مخيرا في الكل وهذا هو الأليق بظاهر هذه الآية وهو أولى من قول من أوجب أن يتناول الميتة دون لحم الخنزير أعظم شأنا في التحريم.
المسألة الرابعة: اختلفوا في المضطر إلى الشرب إذا وجد خمرا، أو من غص بلقمة فلم يجد ماء يسيغه ووجد الخمر، فمنهم من أباحه بالقياس على هذه الصورة، فإن الله تعالى إنما أباح هذه المحرمات إبقاء للنفس ودفعا للهلاك عنها، فكذلك في هذه الصورة وهذا هو الأقرب إلى الظاهر، والقياس وهو قول سعيد بن جبير وأبي حنيفة، وقال الشافعي رضي الله عنه: لا يشرب لأنه يزيده عطشا وجوعا ويذهب عقله، وأجيب عنه بأن قوله: لا يزيده إلا عطشا وجوعا مكابرة، وقوله: يزيل العقل فكلامنا في القليل الذي لا يكون كذلك. المسألة الخامسة: اختلفوا إذا كانت الميتة يحتاج إلى تناولها للعلاج إما بانفرادها أو بوقوعها في بعض الأدوية المركبة، فأباحه بعضهم للنص والمعنى، أما النص فهو أنه أباح للعرنيين شرب أبوال الإبل وألبانها للتداوي، وأما المعنى فمن وجوه الأول: أن الترياق الذي جعل فيه لحوم الأفاعي مستطاب فوجب أن يحل لقوله تعالى: * (أحل لكم الطيبات) * (المائدة: 4) غاية ما في الباب أن هذا العموم مخصوص ولكن لا يقدح في كونه حجة الثاني: أن أبا حنيفة لما عفا عن قدر الدرهم من النجاسة لأجل الحاجة، والشافعي عفا عن دم البراغيث للحاجة فلم لا يحكمان بالعفو في هذه الصورة للحاجة الثالث: أنه تعالى أباح أكل الميتة لمصلحة النفس فكذا ههنا، ومن الناس من حرمه واحتج بقوله عليه السلام: " إن الله تعالى لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليهم " وأجاب الأولون بأن التمسك بهذا الخبر إنما يتم لو ثبت أنه يحرم عليه تناوله، والنزاع ليس إلا فيه.
المسألة السادسة: اختلفوا في التداوي بالخمر، واعلم أن الحاجة إلى ذلك التداوي إن انتهت إلى حد الضرورة فقد تقدم حكمه في المسألة الرابعة، فإن لم تنته إلى حد الضرورة فقد تقدم حكمه في المسألة الخامسة