الأحكام المذكورة فيما قبل وإن كانت كثيرة إلا أن أقربها إلى هذه الآية إنما هو قوله: * (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) * وقبل هذه الآية قوله: * (ثم أتموا الصيام إلى الليل) * وذلك يوجب حرمة الأكل والشرب في النهار، وقبل هذه الآية قوله: * (وابتغوا ما كتب الله لكم) * وهو يقتضي تحريم مواقعة غير الزوجة والمملوكة وتحريم مواقعتهما في غير المأتي وتحريم مواقعتهما في الحيض والنفاس والعدة والردة، وليس فيه إلا إباحة الشرب والأكل والوقاع في الليل، فلما كانت الأحكام المتقدمة أكثرها تحريمات، لا جرم غلب جانب التحريم فقال: * (تلك حدود الله فلا تقربوها) * أي تلك الأشياء التي منعتم عنها إنما منعتم عنها بمنع الله ونهيه عنها فلا تقربوها.
أما قوله تعالى: * (كذلك يبين الله آياته للناس) * ففيه وجوه أحدها: المراد أنه كما بين ما أمركم به ونهاكم عنه في هذا الموضع، كذلك يبين سائر أدلته على دينه وشرعه وثانيها: قال أبو مسلم: المراد بالآيات الفرائض التي بينها كما قال: * (سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات) * (النور: 1) ثم فسر الآيات بقوله: * (الزانية والزاني) * (النور: 2) إلى سائر ما بينه من أحكام الزنا، فكأنه تعالى قال: كذلك يبين الله للناس ما شرعه لهم ليتقوه بأن يعملوا بما لزم وثالثها: يحتمل أن يكون المراد أنه سبحانه لما بين أحكام الصوم على الاستقصاء في هذه الآية بالألفاظ القليلة بيانا شافيا وافيا، قال بعده: * (كذلك يبين الله آياته للناس) * أي مثل هذا البيان الوافي الواضح الكامل هو الذي يذكر للناس، والغرض منه تعظيم حال البيان وتعظيم رحمته على الخلق في ذكره مثل هذا البيان.
أما قوله تعالى: * (لعلهم يتقون) * فقد مر شرحه غير مرة.
الحكم الثامن من الأحكام المذكورة في هذه السورة: حكم الأموال قوله تعالى * (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بهآ إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال