بالحج، فلهذا السبب بين الله تعالى ههنا أن التجارة جائزة غير محرمة، فإذا عرفت هذا فنقول: المفسرون ذكروا في تفسير قوله: * (أن تبتغوا فضلا من ربكم) * وجهين الأول: أن المراد هو التجارة، ونظيره قوله تعالى: * (وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله) * (المزمل: 20) وقوله: * (جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله) * ثم الذي يدل على صحة هذا التفسير وجهان الأول: ما روى عطاء عن ابن مسعود وابن الزبير أنهما قرآ: * (أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج) * والثاني: الروايات المذكورة في سبب النزول. فالرواية الأولى: قال ابن عباس: كان ناس من العرب يحترزون من التجارة في أيام الحج وإذا دخل العشر بالغوا في ترك البيع والشراء بالكلية، وكانوا يسمون التاجر في الحج: الداج ويقولون: هؤلاء الداج، وليسوا بالحاج، ومعنى الداج: المكتسب الملتقط، وهو مشتق من الدجاجة، وبالغوا في الإحتراز عن الأعمال، إلى أن امتنعوا عن إغاثة الملهوف، وإغاثة الضعيف وإطعام الجائع، فأزال الله تعالى هذا الوهم، وبين أنه لا جناح في التجارة، ثم أنه لما كان ما قبل هذه الآية في أحكام الحج، وما بعدها أيضا في الحج، وهو قوله: * (فإذا أفضتم من عرفات) * دل ذلك على أن هذا الحكم واقع في زمان الحج، فلهذا السبب استغنى عن ذكره.
والرواية الثانية: ما روي عن ابن عمر أن رجلا قال له إنا قوم نكري وإن قوما يزعمون أنه لا حج لنا، فقال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما سألت ولم يرد عليه حتى نزل قوله: * (ليس عليكم جناح) * فدعاه وقال: أنتم حجاج وبالجملة فهذه الآية نزلت ردا على من يقول: لا حج للتجار والأجراء والجمالين.
والرواية الثالثة: أن عكاظ ومجنة وذا المجاز كانوا يتجرون في أيام الموسم فيها، وكانت معايشهم منها، فلما جاء الإسلام كرهوا أن يتجرون في الحج بغير إذن، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية.
والرواية الرابعة: قال مجاهد: إنهم كانوا لا يتبايعون في الجاهلية بعرفة ولا منى، فنزلت هذه الآية.
إذا ثبت صحة هذا القول فنقول: أكثر الذاهبين إلى هذا القول حملوا الآية على التجارة في أيام الحج، وأما أبو مسلم فإنه حمل الآية على ما بعد الحج، قال والتقدير: فاتقون في كل أفعال الحج، ثم بعد ذلك * (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) * ونظيره قوله تعالى: * (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله) * (الجمعة: 10).