فكذا ههنا.
فإن قيل: إذا كان لا يصح إلا خطاب العقلاء فما الفائدة في قوله: * (يا أولي الألباب) *.
قلنا: معناه: إنكم لما كنتم من أولي الألباب كنتم متمكنين من معرفة هذه الأشياء والعمل بها فكان وجوبها عليكم أثبت وإعراضكم عنها أقبح، ولهذا قال الشاعر:
ولم أر في عيوب الناس شيئا * كنقص القادرين على التمام ولهذا قال تعالى: * (أولئك كالأنعام بل هم أضل) * (الأعراف: 179) يعني الأنعام معذورة بسبب العجز، أما هؤلاء القادرون فكان إعراضهم أفحش، فلا جرم كانوا أضل.
قوله تعالى * (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فإذآ أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضآلين) *.
فيه مسائل:
المسألة الأولى: في الآية حذف والتقدير: ليس عليكم جناح في أن تبتغوا فضلا والله أعلم.
المسألة الثانية: اعلم أن الشبهة كان حاصلة في حرمة التجارة في الحج من وجوه:
أحدها: أنه تعالى منع عن الجدال فيما قبل هذه الآية، والتجارة كثيرة الإفضاء إلى المنازعة بسبب المنازعة في قلة القيمة وكثرتها، فوجب أن تكون التجارة محرمة وقت الحج وثانيها: أن التجارة كانت محرمة وقت الحج في دين أهل الجاهلية، فظاهر ذلك شئ مستحسن لأن المشتغل بالحج مشتغل بخدمة الله تعالى، فوجب أن لا يتلطخ هذا العمل منه بالأطماع الدنيوية وثالثها: أن المسلمين لما علموا أنه صار كثير من المباحات محرمة عليهم في وقت الحج، كاللبس والطيب والاصطياد والمباشرة مع الأهل غلب على ظنهم أن الحج لما صار سببا لحرمة اللبس مع مساس الحاجة إليه فبأن يصير سببا لحرمة التجارة مه قلة الحاجة إليها كان أولى ورابعها: عند الاشتغال بالصلاة يحرم الاشتغال بسائر الطاعات فضلا عن المباحات فوجب أن يكون الأمر كذلك في الحج فهذه الوجوه تصلح أن تصير شبهة في تحريم الاشتغال بالتجارة عند الاشتغال