كل إلقاء قول أو فعل أدلاء، ومنه يقال للمحتج: أدلى بحجته، كأنه يرسلها ليصير إلى مراده كإدلاء المستقي الولد ليصل إلى مطلوبه من الماء، وفلان يدلى إلى الميت بقرابة أو رحم، إذا كان منتسبا إليه فيطلب الميراث بتلك النسبة، طلب المستحق بالدلو الماء، إذا عرفت هذا فنقول: أنه داخل في حكم النهي، والتقدير: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل، ولا تدلوا إلى الحكام، أي لا ترشوها إليهم لتأكلوا طائفة من أموال الناس بالباطل، وفي تشبيه الرشوة بالإدلاء وجهان أحدهما: أن الرشوة رشاء الحاجة، فكما أن الدلو المملوء من الماء يصل من البعيد إلى القريب بواسطة الرشاء فالمقصود البعيد يصير قريبا بسبب الرشوة والثاني: أن الحاكم بسبب أخذ الرشوة يمضي في ذلك الحكم من غير تثبت كمضي الدلو في الإرسال، ثم المفسرون ذكروا وجوها أحدها: قال ابن عباس والحسن وقتادة: المراد منه الودائع وما لا يقوم عليه بينة وثانيها: أن المراد هو مال اليتيم في ي الأوصياء يدفعون بعضه إلى الحاكم ليبقى عليهم بعضه وثالثها: أن المراد من الحاكم شهادة الزور، وهو قول الكلبي ورابعها: قال الحسن: المراد هو أن يحلف ليذهب حقه وخامسها: هو أن يدفع إلى الحاكم رشوة، وهو أقرب إلى الظاهر، ولا يبعد أيضا حمل اللفظ على الكل، لأنها بأسره أكل بالباطل.
أما قوله تعالى: * (وأنتم تعلمون) * فالمعنى وأنتم تعلمون أنكم مبطلون، ولا شك أن الإقدام على القبيح مع العلم بقبحه أقبح، وصاحبه بالتوبيخ أحق، روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال، اختصم رجلان إلى النبي صلى الله عليه وسلم: عالم بالخصومة وجاهل بها، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم للعالم، فقال من قضى عليه:
يا رسول الله والذي لا إله إلا هو إني محق فقال: إن شئت أعاوده، فعاوده فقضى للعالم، فقال المقضى عليه مثل ما قال أولا ثم عاوده ثالثا، ثم قال عليه الصلاة والسلام: " من اقتطع حق امرئ مسلم بخصومته فإنما اقتطع قطعة من النار " فقال العالم المقضي له: يا رسول الله إن الحق حقه، فقال عليه الصلاة والسلام: " من اقتطع بخصومته وجد له حق غيره فليتبوأ مقعده من النار ".
الحكم التاسع قوله تعالى * (يسألونك عن الأهلة قل هى مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت