والأرضين وعلى هذا الوجه ينتظم وجه دلالة الآية على أن الملك أفضل من البشر في الشدة والبطش لكنها لا تدل البتة على أنه أفضل من البشر في كثرة الثواب أو يقال إنهم إنما ادعوا إلهيته لأنه حصل من غير أب فقيل لهم الملك ما حصل من أب ولا من أم يقال إنهم إنما ادعوا إلهيته لأنه مع أنهم لا يستنكفون عن العبودية. فان قيل في الآية ما تدل على أن المراد وقوع التفاوت بين المسيح والملائكة في العبودية لا في القدرة والقوة والبطش وذلك لأنه تعالى وصفهم بكونهم مقربين والقرب من الله تعالى لا يكون بالمكان والجهة بل الدرجة والمنزلة وصفهم ههنا بكونهم مقربين علمنا أن المراد وقوع التفاوت بينهم وبين المسيح في درجات الفضل لا في الشدة والبطش. قلنا إن كان مقصودك من هذا السؤال أنه تعالى وصف الملائكة بكونهم مقربين فوجب أن لا يكون المسيح كذلك فهذا باطل لان تخصيص الشئ بالذكر لا يدل على نفسه عما عداه وإن كان مقصود أنه تعالى لما وصفهم بكونهم مقربين وجب أن يكون التفاوت واقعا في ذلك فهذا باطل أيضا لاحتمال أن يكون المسيح والمقربون مع اشتراكهم في صفة القرب في الطاعة يتباينون بأمور أخر فيكون المراد بيان التفاوت في تلك الأمور. سؤال آخر: وهو أنا نقول بموجب الآية فنسلم أن عيسى عليه السلام دون مجموع الملائكة في الفضل فلم قلتم إنه دون كل واحد من الملائكة في الفضل. سؤال آخر: لعله تعالى إنما ذكر هذا الخطاب مع أقوام اعتقدوا أن الملك أفضل من البشر فأورد الكلام على حسب معتقدهم كما في قوله (وهو أهون عليه). وثامنها: قوله تعالى حكاية عن إبليس) مانها كما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين) ولو لم يكن متقررا عند آدم وحواء عليهما السلام يغتران أفضل من البشر لم يقدر إبليس على أن يغرهما بذلك ولا كان آدم وحواء عليهما السلام يغتران بذلك. ولقائل أن يقول هذا قول إبليس فلا يكون حجة، ولا يقال إن آدم اعتقد صحة ذلك وإلا لما اغتر، واعتقاد آدم حجة لأنا نقول: لعل آدم عليه السلام أخطأ في ذلك إما لان الزلة جائزة على الأنبياء أو لأنه ما كان نبيا في ذلك الوقت، وأيضا هب أنه حجة لكن آدم عليه السلام لم يكن قبل الزلة نبيا فلم يلزم من فضل الملك عليه في ذلك الوقت فضل الملك عليه حال ما صار نبيا، وأيضا هب أن الآية تدل على أن الملك أفضل من البشر في بعض الأمور المرغوبة فلم قلت: إنها تدل على فضل الملك على البشر في باب الثواب؟ وذلك لأنه لا نزاع أن الملك أفضل من البشر في باب القدرة والقوة، وفى باب الحسن والجمال، وفى باب الصفاء والنقاء عن الكدورات الحاصلة بسبب التركيبات فان الملائكة خلقوا من الأنوار، وآدم مخلوق من التراب فلعل آدم عليه السلام وإن كان أفضل منهم في كثرة الثواب إلا إن رغب في أن يكون مساويا لهم في تلك الأمور التي عددناها فكان التعزير حاصلا من هذا الوجه، وأيضا فقوله (إلا أن تكونا ملكين) يحتمل أن يكون المراد إلا أن تنقلبا ملكين فحينئذ يصح استدلالكم ويحتمل
(٢٢٢)