فجعل الله كونه أغبر، ليستقر النور عليه فيتسخن فيصلح أن يكون فراشا للحيوانات. الشرط الرابع: أن تكون بارزة من الماء، لأن طبع الأرض أن يكون غائصا في الماء فكان يجب أن تكون البحار محيطة بالأرض، ولو كانت كذلك لما كانت فراشا لنا، فقلب الله طبيعة الأرض وأخرج بعض جوانبها من الماء كالجزيرة البارزة حتى صلحت لأن تكون فراشا لنا، ومن الناس من زعم أن الشرط في كون الأرض فراشا أن لا تكون كرة، واستدل بهذه الآية على أن الأرض ليست كرة، وهذا بعيد جدا، لأن الكرة إذا عظمت جدا كانت القطعة منها كالسطح في إمكان الاستقرار عليه، والذي يزيده تقريرا أن الجبال أوتاد الأرض ثم يمكن الاستقرار عليها، فهذا أولى والله أعلم.
المسألة الخامسة: في سائر منافع الأرض وصفاتها. فالمنفعة الأولى: الأشياء المتولدة فيها من المعادن والنبات والحيوان والآثار العلوية والسفلية لا يعلم تفاصيلها إلا الله تعالى الثانية: أن يتخمر الرطب بها فيحصل التماسك في أبدان المركبات. الثالثة: اختلاف بقاع الأرض، فمنها أرض رخوة، وصلبة، ورملة، وسبخة، وحرة، وهي قوله تعالى: * (وفي الأرض قطع متجاورات) * (الرعد: 4) وقال: * (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا) * (الأعراف: 58) الرابعة: اختلاف ألوانها فأحمر، وأبيض، وأسود، ورمادي اللون، وأغبر، على ما قال تعالى: * (ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود) *. الخامسة: انصداعها بالنبات، قال تعالى: * (والأرض ذات الصدع) * (الطارق: 12). السادسة: كونها خازنة للماء المنزل من السماء وإليه الإشارة بقوله تعالى: * (وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون) * (المؤمنون: 18) وقوله: * (قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين) * (الملك: 30) السابعة: العيون والأنهار العظام التي فيها وإليه الإشارة بقوله) * (وجعل فيها رواسي وأنهارا) *. الثامنة: ما فيها من المعادن والفلزات، وإليه الإشارة بقوله تعالى: * (والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون) * (الحجر: 19) ثم بين بعد ذلك تمام البيان، فقال: * (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم) * (الحجر: 21). التاسعة: الخبء الذي تخرجه الأرض من الحب والنوى قال تعالى: * (إن الله فالق الحب والنوى) * (الأنعام: 95) وقال: * (يخرج الخبء في السماوات والأرض) * (النحل: 25) ثم إن الأر لها طبع الكرم لأنك تدفع إليها حبة واحدة، وهي تردها عليك سبعمائة * (كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة) * (البقرة: 261). العاشرة: حياتها بعد موتها؛ قال تعالى: * (أو لم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا) * (السجدة: 27) وقال: * (وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون) * (يس: 33) الحادية عشرة: ما عليها من الدواب المختلفة الألوان والصور والخلق، وإليه الإشارة بقوله: * (خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة) * (لقمان: 10). والثانية عشر: ما فيها من النبات المختلف ألوانه وأنواعه ومنافعه، وإليه الإشارة بقوله: * (وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج) * (ق: 7) فاختلاف ألوانها دلالة، واختلاف طعومها دلالة، واختلاف روائحها دلالة، فمنها قوت البشر، ومنها قوت البهائم، كما قال: * (كلوا