وإذا كان ذلك مجازا مشهورا في اللغة لم يكن استعمال اللفظ فيه كذبا والله أعلم. القول في إقامة الدلالة على التوحيد والنبوة والمعاد.
* (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذى خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون * الذى جعل لكم الارض فراشا والسمآء بنآء وأنزل من السمآء مآء فأخرج به من الثمرت رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون) *.
اعلم أن في هذه الآيات مسائل: - المسألة الأولى: أن الله تعالى لما قدم أحكام الفرق الثلاثة، أعني المؤمنين والكفار والمنافقين. أقبل عليهم بالخطاب، وهو من باب الالتفات المذكور في قوله تعالى: * (إياك نعبد وإياك نستعين) * وفيه فوائد: أحدها: أن فيه مزيد هز وتحريك من السامع كما أنك إذا قلت لصاحبك حاكيا عن ثالث: إن فلانا من قصته كيت وكيت، ثم تخاطب ذلك الثالث فقلت: يا فلان من حقك أن تسلك الطريقة الحميدة في مجاري أمورك، فهذا الانتقال من الغيبة إلى الحضور يوجب مزبد تحريك لذلك الثالث. وثانيها: كأنه سبحانه وتعالى يقول. جعلت الرسول واسطة بيني وبينك أولا ثم الآن أزيد في إكرامك وتقريبك، فأخاطبك من غير واسطة، ليحصل لك مع التنبيه على الأدلة، شرف المخاطبة والمكالمة. وثالثها: أنه مشعر بأن العبد إذا كان مشتغلا بالعبودية فإنه يكون أبدا في الترقي، بدليل أنه في هذه الآية، انتقل من الغيبة إلى الحضور. ورابعها: أن الآيات المتقدمة كانت في حكاية أحوالهم، وأما هذه الآيات فإنها أمر وتكليف، ففيه كلفة ومشقة فلا بد من راحة تقابل هذه الكلفة، وتلك الراحة هي أن يرفع ملك الملوك الواسطة من البين ويخاطبهم بذاته، كما أن العبد إذا ألزم تكليفا شاقا فلو شافهه المولى وقال: أريد منك أن تفعل كذا فإنه يصير ذلك الشاق لذيذا لأجل ذلك الخطاب.
المسألة الثانية: حكي عن علقمة والحسن أنه قال: كل شيء في القرآن: * (يا أيها الناس) * فإنه مكي، وما كان * (يا أيها الذين آمنوا) * فبالمدينة، قال القاضي: هذا الذي ذكروه إن كان الرجوع فيه إلى النقل فمسلم، وإن كان السبب فيه حصول المؤمنين بالمدينة على الكثرة دون مكة