المأمون قد تناقص بدقيقة وذلك يقتضي أن من شأن المنطقتين أن يقل ميلهما تارة ويكثر أخرى وهذا إنما يمكن إذا كان بين كرة الكل وكرة الثوابت كرة أخرى يدور قطباها حول قطبي كرة الكل وتكون كرة الثوابت يدور قطباها حول قطبي تلك الكرة فيعرض لقطبها تارة أن يصير إلى جانب الشمال منخفضا وتارة إلى جانب الجنوب مرتفعا فيلزم من ذلك أن ينطبق معدل النهار على منطقة البروج، وأن ينفصل عنه تارة أخرى إلى الجنوب عندما يرتفع قطب فلك الثوابت إلى الجنوب، وتارة إلى الشمال. كما هو الآن. الثاني: أن أصحاب الأرصاد اضطربوا اضطرابا شديدا في مقدار سير الشمس على ما هو مشروح في " كتب النجوم " حتى أن بطليموس حكى عن أبرخيس أنه كان شاكا في أن هذه العودة تكون في أزمنة متساوية أو مختلفة وأنه يقول في بعض أقاويله: إنها مختلفة، وفي بعضها: إنها متساوية في إن الناس ذكروا في سبب اختلافه قولين: أحدهما: قول من يجعل أوج الشمس متحركا فإنه زعم أن الاختلاف الذي يلحق حركة الشمس من هذه الجهة يختلف عند نقطة الاعتدال لاختلاف بعدها عن الأوج فيختلف زمان سير الشمس من أجله. الثاني: قول أهل الهند والصين وبابل وأكثر قدماء الروم ومصر والشام: إن السبب فيه انتقال فلك البروج وارتفاع قطبه وانحطاطه، وحكي عن أبرخيس أنه كان يعتقد هذا الرأي وذكر بارياء الإسكندراني أن أصحاب الطلسمات كانوا يعتقدون ذلك وأن نقطة فلك البروج تتقدم عن موضعها وتتأخر ثمان درجات وقالوا إن ابتداء الحركة من " كب " درجة من الحوت إلى أول الحمل واعلم أن هذا الخبط مما ينبهك على أنه لا سبيل للعقول البشرية إلى إدراك هذه الأشياء وأنه لا يحيط بها إلا علم فاطرها وخالقها فوجب الاقتصار فيه على الدلائل السمعية، فإن قال قائل فهل يدل التنصيص على سبع سماوات على نفي العدد الزائد؟ قلنا الحق أن تخصيص العدد بالذكر لا يدل على نفي الزائد.
المسألة السادسة: قوله تعالى: * (وهو بكل شيء عليم) * يدل على أنه سبحانه وتعالى لا يمكن أن يكون خالقا للأرض وما فيها وللسماوات وما فيها من العجائب والغرائب إلا إذا كان عالما بها محيطا بجزئياتها وكلياتها، وذلك يدل على أمور: أحدها: فساد قول الفلاسفة الذين قالوا إنه لا يعلم الجزئيات وصحة قول المتكلمين، وذلك لأن المتكلمين استدلوا على علم الله تعالى بالجزئيات بأن قالوا: إن الله تعالى فاعل لهذه الأجسام على سبيل الأحكام والاتقان وكل فاعل على هذا الوجه فإن لا بد وأن يكون عالما بما فعله وهذه الدلالة بعينها ذكرها الله تعالى في هذا الموضع لأنه ذكر خلق السماوات والأرض ثم فرع على ذلك كونه عالما، فثبت بهذا أن قول المتكلمين في هذا المذهب وفي هذا الاستدلال مطابق للقرآن.
وثانيها: فساد قول المعتزلة وذلك لأنه سبحانه وتعالى بين أن الخالق للشيء على سبيل التقدير والتحديد لا بد وأن يكون عالما به وبتفاصيله لأن خالقه قد خصه بقدر دون قدر والتخصيص بقدر معين لا بد وأن يكون بإرادة وإلا فقد حصل الرجحان من غير مرجح والإرادة مشروطة بالعلم فثبت أن خالق