الخامس والعشرون: الروية، وهي ما كان من المعرفة بعد فكر كثير، وهي من روى، السادس والعشرون: الكياسة. وهي تمكن النفس من استنباط ما هو أنفع.
ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: " الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ". من حيث إنه لا خير يصل إليه الإنسان أفضل مما بعد الموت. السابع والعشرون: الخبرة، وهي معرفة يتوصل إليها بطريق التجربة، يقال خبرته قال أبو الدرداء: وجدت الناس أخبر تقله. وقيل هو من قولهم: ناقة خبرة. أي غزيرة اللبن، فكان الخبر هو غزارة المعرفة. ويجوز أن يكون قولهم ناقة خبرة: هي المخبر عنها بغزارتها. الثامن والعشرون: الرأي، وهو إحاطة الخاطر في المقدمات التي يرجى منها إنتاج المطلوب، وقد يقال للقضية المستنتجة من الرأي رأي، والرأي للفكر كالآلة للصانع، ولهذا قيل: إياك والرأي الفطير، وقيل: دع الرأي تصب. التاسع والعشرون: الفراسة وهي الاستدلال بالحق الظاهر على الخلق الباطن، وقد نبه الله تعالى على صدق هذا الطريق بقوله تعالى: * (إن في ذلك لآيات للمتوسمين) * (الحجر: 75) وقوله تعالى: * (تعرفهم بسيماهم) * (البقرة: 273) وقوله تعالى: * (ولتعرفنهم في لحن القول) * (محمد: 30) واشتقاقها من قولهم: فرس السبع الشاة، فكأن الفراسة اختلاس المعارف، وذلك ضربان: ضرب يحصل للإنسان عن خاطره ولا يعرف له سبب، وذلك ضرب من الإلهام بل ضرب من الوحي، وإياه عنى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " إن في أمتي لمحدثين وإن عمر لمنهم " ويسمى ذلك أيضا النفث في الروع، والضرب الثاني من الفراسة ما يكون بصناعة متعلمة وهي الاستدلال بالأشكال الظاهرة على الأخلاق الباطنة وقال أهل المعرفة في قوله تعالى: * (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه) * (هود: 17) إن البينة هو القسم الأول وهو إشارة إلى صفاء جوهر الروح والشاهد هو القسم الثاني وهو الاستدلال بالأشكال على الأحوال.
المسألة التاسعة: قوله تعالى: * (وعلم آدم الأسماء كلها) * وقوله: * (لا علم لنا إلا ما علمتنا) * وقوله: * (الرحمن علم القرآن) * لا يقتضي وصف الله تعالى بأنه معلم لأنه حصل في هذه اللفظة تعارف على وجه لا يجوز إطلاقه عليه وهو من يحترف بالتعليم والتلقين وكما لا يقال للمدرس معلم مطلقا حتى لو أوصى للمتعلمين لا يدخل فيه المدرس فكذا لا يقال لله إنه معلم إلا مع التقييد ولولا هذا التعارف لحسن إطلاقه عليه بل كان يجب أن لا يستعمل إلا فيه تعالى لأن المعلم هو الذي يحصل العلم في غيره ولا قدرة على ذلك لأحد إلا الله تعالى.
* (قالوا سبحانك لا علم لنآ إلا ما علمتنآ إنك أنت العليم الحكيم * قال ياءادم أنبئهم