الشيء لا بد وأن يكون عالما به على سبيل التفصيل. فلو كان العبد موجدا لأفعال نفسه لكان عالما بها وبتفاصيلها في العدد والكمية والكيفية فلما لم يحصل هذا العلم علمنا أنه غير موجد نفسه. وثالثها: قالت المعتزلة: إذا جمعت بين هذه الآية وبين قوله: * (وفوق كل ذي علم عليم) * ظهر أنه تعالى عالم بذاته، والجواب: قوله تعالى: * (وفوق كل ذي علم عليم) * عام وقوله: * (أنزله بعلمه) * خاص والخاص مقدم على العام. والله تعالى أعلم.
* (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل فى الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدمآء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون) *.
اعلم أن هذه الآية دالة على كيفية خلقة آدم عليه السلام وعلى كيفية تعظيم الله تعالى إياه فيكون ذلك إنعاما عاما على جميع بني آدم فيكون هذا هو النعمة الثالثة من تلك النعم العامة التي أوردها في هذا الموضع ثم فيه مسائل:
المسألة الأولى: في إذ قولان: أحدهما: أنه صلة زائدة إلا أن العرب يعتادون التكلم بها والقرآن نزل بلغة العرب. الثاني: وهو الحق أنه ليس في القرآن ما لا معنى له وهو نصب بإضمار أذكر، والمعنى أذكر لهم قال ربك للملائكة فأضمر هذا لأمرين: أحدهما: أن المعنى معروف. والثاني: أن الله تعالى قد كشف ذلك في كثير من المواضع كقوله: * (واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف) * (الأحقاف: 21) وقال: * (واذكر عبدنا داود) * (ص: 17)، * (واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين) * (يس: 13، 14) والقرآن كله كالكلمة الواحدة ولا يبعد أن تكون هذه المواضع المصرحة نزلت قبل هذه السورة فلا جرم ترك ذلك ههنا اكتفاء بذلك المصرح. قال صاحب " الكشاف ": ويجوز أن ينتصب " إذ " بقالوا.
المسألة الثانية: الملك أصله من الرسالة، يقال ألكني إليه أي أرسلني إليه والمألكة والألوكة الرسالة وأصله الهمزة من " ملأكة " حذفت الهمزة وألقيت حركتها على ما قبلها طلبا للخفة لكثرة استعمالها، قال صاحب " الكشاف ": الملائك جمع ملأك على الأصل كالشمائل في جمع شمأل وإلحاق التاء لتأنيث الجمع.