كونه معجزا، فأجاب الله تعالى عنه بأن صغر هذه الأشياء لا يقدح في الفصاحة إذا كان ذكرها مشتملا على حكم بالغة، فهذا هو الإشارة إلى كيفية تعلق هذه الآية بما قبلها ثم في هذه الآية مسائل:
المسألة الأولى: عن ابن عباس أنه لما نزل: * (يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له) * (الحج: 73) فطعن في أصنامهم ثم شبه عبادتها ببيت العنكبوت قالت اليهود أي قدر للذباب والعنكبوت حتى يضرب الله المثل بهما فنزلت هذه الآية. والقول الثاني: أن المنافقين طعنوا في ضرب الأمثال بالنار والظلمات والرعد والبرق في قوله: * (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا) * والقول الثالث: أن هذا الطعن كان من المشركين قال القفال: الكل محتمل ههنا، أما اليهود فلأنه قيل في آخر الآية: * (وما يضل به إلا الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه) * وهذا صفة اليهود، لأن الخطاب بالوفاء وبالعهد فيما بعد إنما هو لبني إسرائيل وأما الكفار والمنافقون فقد ذكروا في سورة المدثر * (وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء) * الآية فأما الذين في قلوبهم مرض هم المنافقون، والذين كفروا يحتمل المشركين لأن السورة مكية فقد جمع الفريقان ههنا. إذا ثبت هذا فنقول. احتمال الكل ههنا قائم لأن الكافرين والمنافقين واليهود كانوا متوافقين في إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد مضى من أول السورة إلى هذا الموضع ذكر اليهود، وذكر المنافقين، وذكر المشركين. وكلهم من الذين كفروا ثم قال القفال: وقد يجوز أن ينزل ذلك ابتداء من غير سبب لأن معناه في نفسه مفيد.
المسألة الثانية: اعلم أن الحياء تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به ويذم واشتقاقه من الحياة يقال حيي الرجل كما يقول نسي وخشي وشظي الفرس إذا اعتلت هذه الأعضاء. جعل الحيي لما يعتريه الانكسار والتغير منكسر القوة منغص الحياة، كما قالوا فلان هلك حياء من كذا، ومات حياء، ورأيت الهلاك في وجهه من شدة الحياء، وذاب حياء، وإذا ثبت هذا استحال الحياء على الله تعالى لأنه تغير يلحق البدن، وذلك لا يعقل إلا في حق الجسم، ولكنه وارد في الأحاديث. روى سلمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله تعالى حيي كريم يستحيي إذا رفع العبد إليه يديه أن يردهما صفرا حتى يضع فيهما خيرا " وإذا كان كذلك وجب تأويله وفيه وجهان: الأول: وهو القانون في أمثال هذه الأشياء؛ أن كل صفة ثبتت للعبد مما يختص بالأجسام فإذا وصف الله تعالى بذلك فذلك محمول على نهايات الأعراض لا على بدايات الأعراض مثاله أن الحياء حالة تحصل للإنسان لكن لها مبدأ ومنتهى، أما المبدأ فهو التغير الجسماني الذي يلحق الإنسان من خوف أن ينسب إلى القبيح، وأما النهاية فهو أن يترك الإنسان ذلك الفعل، فإذا ورد الحياء في حق الله تعالى فليس المراد منه ذلك الخوف الذي هو مبدأ الحياء ومقدمته، بل ترك الفعل الذي هو منتهاه وغايته، وكذلك الغضب له، علامة ومقدمة وهي غليان دم القلب، وشهوة الانتقام وله غاية وهو إنزال العقاب بالمغضوب عليه، فإذا وصفنا الله تعالى