وذلك لما ركب الله في رأس خرطومه من السم.
المسألة الثامنة: في قوله: * (فما فوقها) * وجهان: أحدهما: أن يكون المراد فما هو أعظم منها في الجثة كالذباب والعنكبوت والحمار والكلب، فإن القوم أنكروا تمثيل الله تعالى بكل هذه الأشياء. والثاني: أراد بما فوقها في الصغر أي بما هو أصغر منها والمحققون مالوا إلى هذا القول لوجوه: أحدها: أن المقصد من هذا التمثيل تحقير الأوثان، وكلما كان المشبه به أشد حقارة كان المقصود في هذا الباب أكمل حصولا. وثانيها: أن الغرض ههنا بيان أن الله تعالى لا يمتنع من التمثيل بالشيء الحقير، وفي مثل هذا الموضع يجب أن يكون المذكور ثانيا أشد حقارة من الأول يقال إن فلانا يتحمل الذل في اكتساب الدينار، وفي اكتساب ما فوقه، يعني في القلة لأن تحمل الذل في اكتساب أقل من الدينار أشد من تحمله في اكتساب الدينار. وثالثها: أن الشيء كلما كان أصغر كان الاطلاع على أسراره أصعب، فإذا كان في نهاية الصغر لم يحط به إلا علم الله تعالى، فكان التمثيل به أقوى في الدلالة على كمال الحكمة من التمثيل بالشيء الكبير، واحتج الأولون بوجهين: الأول: بأن لفظ " فوق " يدل على العلو، فإذا قيل هذا فوق ذاك، فإنما معناه أنه أكبر منه ويروى أن رجلا مدح عليا رضي الله عنه والرجل متهم فيه، فقال علي: أنا دون ما تقول وفوق ما في نفسك، أراد بهذا أعلى مما في نفسك. الثاني: كيف يضرب المثل بما دون البعوضة وهي النهاية في الصغر؟ والجواب عن الأول: أن كل شيء كان ثبوت صفة فيه أقوى من ثبوتها في شيء آخر كان ذلك الأقوى فوق الأضعف في تلك الصفة يقال إن فلانا فوق فلان في اللؤم والدناءة. أي هو أكثر لؤما ودناءة منه، وكذا إذا قيل هذا فوق ذلك في الصغر وجب أن يكون أكثر صغرا منه، والجواب عن الثاني أن جناح البعوضة أقل منها وقد ضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلا للدنيا.
المسألة التاسعة: " أما " حرف فيه معنى الشرط، ولذلك يجاب بالفاء وهذا يفيد التأكيد تقول زيد ذاهب فإذا قصدت توكيد ذلك وأنه لا محالة ذاهب قلت أما زيد فذاهب، إذا ثبت هذا فنقول: إيراد الجملتين مصدرتين به أحماد عظيم لأمر المؤمنين واعتداد بعلمهم أنه الحق وذم عظيم للكافرين على ما قالوه وذكروه.
المسألة العاشرة: " الحق " الثابت الذي لا يسوغ إنكاره يقال حق الأمر إذا ثبت ووجب وحقت كلمة ربك، وثوب محقق محكم النسج.
المسألة الحادية عشرة: " ماذا " فيه وجهان أن يكون ذا اسما موصولا بمعنى الذي فيكون كلمتين وأن يكون ذا مركبة مع ما مجعولين اسما واحدا فيكون كلمة واحدة فهو على الوجهين: الأول: مرفوع المحل على الابتداء وخبره ذا مع صلته، وعلى الثاني: منصوب المحل في حكم ما وحده كما لو قلت ما أراد الله.