فهذا ضعيف، لأنه يجوز أن يخاطب المؤمنين مرة بصفتهم، ومرة باسم جنسهم، وقد يؤمر من ليس بمؤمن بالعبادة، كما يؤمر المؤمن بالاستمرار على العبادة والازدياد منها، فالخطاب في الجميع ممكن.
المسألة الثالثة: اعلم أن الألفاظ في الأغلب عبارات دالة على أمور هي: إما الألفاظ أو غيرها، أما الألفاظ فهي: كالاسم والفعل والحرف، فإن هذه الألفاظ الثلاثة يدل كل واحد منها على شيء، هو في نفسه لفظ مخصوص، وغير الألفاظ: فكالحجر والسماء والأرض، ولفظ النداء لم يجعل دليلا على شيء آخر، بل هو لفظ يجري مجرى عمل يعمله عامل لأجل التنبيه. فأما الذين فسروا قولنا: " يا زيد " بأنادي زيدا، أو أخاطب زيدا فهو خطأ من وجوه: أحدها: أن قولنا. أنادي زيدا، خبر يحتمل التصديق والتكذيب، وقولنا يا زيد، لا يحتملها. وثانيها: أن قولنا يا زيد، يقتضي صيرورة زيد منادى في الحال، وقولنا أنادي زيدا، لا يقتضي ذلك، وثالثها: أن قولنا يا زيد يقتضي صيرورة زيد مخاطبا بهذا الخطاب وقولنا أنادي زيدا لا يقتضي ذلك لأنه لا يمتنع أنه يخبر إنسانا آخر بأني أنادي زيدا. ورابعها: أن قولنا أنادي زيدا، إخبار عن النداء، والأخبار عن النداء غير النداء، والنداء هو قولنا: يا زيد، فإذن قولنا: أنادي زيدا، غير قولنا يا زيد، فثبت بهذه الوجوه فساد هذا القول. ثم ههنا نكتة نذكرها وهي: أن أقوى المراتب الاسم، وأضعفها الحرف، فظن قوم أنه لا يأتلف الاسم بالحرف، وكذا أعظم الموجودات هو الحق سبحانه وتعالى، وأضعفها البشر * (وخلق الإنسان ضعيفا) * فقالت الملائكة: أي مناسبة بينهما * (أتجعل فيها من يفسد فيها) * فقيل قد يأتلف الاسم مع الحرف في حال النداء، فكذا البشر يصلح لخدمة الرب حال النداء والتضرع * (ربنا ظلمنا أنفسنا) *، * (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) *.
المسألة الرابعة: " ياء " حرف وضع في أصله لنداء البعيد وإن كان لنداء القريب لكن لسبب أمر مهم جدا، وأما نداء القريب فله: أي والهمزة، ثم استعمل في نداء من سها وغفل وإن قرب تنزيلا له منزلة البعيد. فإن قيل فلم يقول الداعي يا رب يا الله * (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) * (ق: 16) قلنا هو استبعاد لنفسه من مظان الزلفى وما يقربه إلى منازل المقربين هضما لنفسه وإقرارا عليها بالتنقيص حتى يتحقق الإجابة بمقتضى قوله: " أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي " أو لأجل أن إجابة الدعاء من أهم المهمات للداعي.
المسألة الخامسة: " أي " وصلة إلى نداء ما فيه الألف اللام كما أن " ذو " و " الذي " وصلتان إلى الوصف بأسماء الأجناس ووصف المعارف بالجمل، وهو اسم مبهم يفتقر إلى ما يزيل إبهامه، فلا بد وأن يردفه اسم جنس، أو ما يجري مجراه يتصف به حتى يحصل المقصود بالنداء فالذي يعمل فيه حرف النداء هو أي والاسم التابع له صفة كقولك يا زيد الظريف إلا أن أيا لا يستقل بنفسه استقلال زيد فلم ينفك عن الصفة وموصوفها وأما كلمة التنبيه المقحمة بين الصفة وموصوفها ففيها فائدتان: الأولى: معاضدة حرف النداء بتأكيد معناه. والثانية: وقوعها عوضا