أنه قال: سمي إنسانا لأنه عهد إليه فنسي، وقال الشاعر. سميت إنسانا لأنك ناسي.
وقال أبو الفتح البستي: يا أكثر الناس إحسانا إلى الناس * وأكثر الناس إفضالا على الناس نسيت عهدك والنسيان مغتفر * فاغفر فأول ناس أول الناس وثانيها: سمي إنسانا لاستئناسه بمثله. وثالثها: قالوا: الإنسان إنما سمي إنسانا لظهورهم وأنهم يؤنسون أي يبصرون من قوله: * (آنس من جانب الطور نارا) * (القصص: 29) كما سمي الجن لاجتنانهم. واعلم أنه لا يجب في كل لفظ أن يكون مشتقا من شيء آخر وإلا لزم التسلسل، وعلى هذا لا حاجة إلى جعل لفظ الإنسان مشتقا من شيء آخر.
المسألة الخامسة: قال ابن عباس: أنها نزلت في منافقي أهل الكتاب، منهم عبد الله بن أبي ومعتب بن قشير، وجد ابن قيس، كانوا إذا لقوا المؤمنين يظهرون الإيمان والتصديق ويقولون إنا لنجد في كتابنا نعته وصفته ولم يكونوا كذلك إذا خلا بعضهم إلى بعض.
المسألة السادسة: لفظة " من " لفظة صالحة للتثنية، والجمع، والواحد. أما في الواحد فقوله تعالى: * (ومنهم من يستمع إليك) * (الأنعام: 25) وفي الجمع كقوله: * (ومنهم من يستمعون إليك) * (يونس: 42) والسبب فيه أنه موحد اللفظ مجموع المعنى، فعند التوحيد يرجع إلى اللفظ. وعند الجمع يرجع إلى المعنى، وحصل الأمران في هذه الآية؛ لأن قوله تعالى: * (يقول) * لفظ الواحد و * (آمنا) * لفظ الجمع وبقي من مباحث الآية أسئلة. السؤال الأول: المنافقون كانوا مؤمنين بالله وباليوم الآخر ولكنهم كانوا منكرين لنبوته عليه السلام فلم كذبهم في ادعائهم الإيمان بالله واليوم الآخر؟ والجواب: إن حملنا هذه الآية على منافقي المشركين فلا إشكال، لأن أكثرهم كانوا جاهلين بالله ومنكرين البعث والنشور وإن حملناها على منافقي أهل الكتاب - وهم اليهود - فإنما كذبهم الله تعالى لأن إيمان اليهود بالله ليس بإيمان، لأنهم يعتقدونه جسما، وقالوا عزيز بن الله، وكذلك إيمانهم باليوم الآخر ليس بإيمان، فلما قالوا آمنا بالله كان خبثهم فيه مضاعفا لأنهم كانوا بقلوبهم يؤمنون به على ذلك الوجه الباطل، وباللسان يوهمون المسلمين بهذا الكلام إنا آمنا لله مثل إيمانكم، فلهذا كذبهم الله تعالى فيه. السؤال الثاني: كيف طابق قوله: * (وما هم بمؤمنين) * قولهم: * (آمنا بالله) * والأول في ذكر شأن الفعل لا الفاعل، والثاني في ذكر شأن الفاعل لا الفعل؟ والجواب: أن من قال فلان ناظر في المسألة الفلانية، فلو قلت إنه لم يناظر في تلك المسألة كنت قد كذبته، أما لو قلت إنه ليس من الناظرين كنت قد بالغت في تكذيبه، يعني أنه ليس من هذا الجنس، فكيف يظن به ذلك؟ فكذا ههنا لما قالوا آمنا بالله فلو قال الله ما آمنوا كان ذلك تكذيبا لهم أما لما قال: * (وما هم بمؤمنين) * كان ذلك مبالغة في تكذيبهم، ونظيره قوله: * (يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها) * هو أبلغ من قولهم: وما يخرجون منها. السؤال الثالث: ما المراد باليوم الآخر؟ الجواب: يجوز أن يراد به