ولم يخف على الناظرين عجز حيلتها، فما رجائي إلا أن نقول: ما تقول ملائكتي انظروا إلى فريد قد نأى عنه الأقربون، ووحيد قد جفاه المحبون، أصبح مني قريبا وفي اللحد غريبا، وكان لي في الدنيا داعيا ومجيبا، ولإحساني إليه عند وصوله إلى هذا البيت راجيا، فأحسن إلى هناك يا قديم الإحسان، وحقق رجائي فيك يا واسع الغفران. وأما أنه لا بد من الرجوع إلى الله فلأن سبحانه يأمر بأن ينفخ في الصور * (فصعق من في السماوات ومن في الأرض ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون) * (الزمر: 68) وقال: * (يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون) * (المعارج: 43) ثم يعرضون على الله كما قال: * (وعرضوا على ربك صفا) * (الكهف: 48) فيقومون خاشعين خاضعين كما قال: * (وخشعت الأصوات للرحمن) * (طه: 108) وقال بعضهم: إلهنا إذا قمنا من ثرى الأجداث مغبرة رؤوسنا. ومن شدة الخوف شاحبة وجوهنا، ومن هول القيامة مطرقة رؤوسنا. وجائعة لطول القيامة بطوننا، وبادية لأهل الموقف سوآتنا، وموقرة من ثقل الأوزار ظهورنا، وبقينا متحيرين في أمورنا نادمين على ذنوبنا، فلا تضعف المصائب بإعراضك عنا، ووسع رحمتك وغفرانك لنا، يا عظيم الرحمة يا واسع المغفرة.
* (هو الذى خلق لكم ما فى الارض جميعا ثم استوى إلى السمآء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شىء عليم) *.
اعلم أن هذا هو النعمة الثانية التي عمت المكلفين بأسرهم وما أحسن ما رعى الله سبحانه وتعالى هذا الترتيب فإن الانتفاع بالأرض والسماء إنما يكون بعد حصول الحياة فلهذا ذكر الله أمر الحياة أولا ثم أتبعه بذكر السماء والأرض، أما قوله: * (خلق) * فقد مر تفسيره في قوله: * (اعبدوا ربكم الذي خلقكم) * وأما قوله: * (لكم) * فهو يدل على أن المذكور بعد قوله خلق لأجل انتفاعنا في الدين والدنيا، أما في الدنيا فليصلح أبداننا ولنتقوى به على الطاعات وأما في الدين فللاستدلال بهذه الأشياء والاعتبار بها وجمع بقوله: * (ما في الأرض جميعا) * جميع المنافع، فمنها ما يتصل بالحيوان والنبات والمعادن والجبال ومنها ما يتصل بضروب الحرف والأمور التي استنبطها العقلاء وبين تعالى أن كل ذلك إنما خلقها كي ينتفع بها كما قال: * (وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض) * فكأنه سبحانه وتعالى قال كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم وكيف تكفرون بالله وقد خلق لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا أو يقال كيف تكفرون بقدرة الله على الإعادة وقد أحياكم بعد موتكم ولأنه خلق لكم ما في الأرض