خلقه، وإن وقعا معا وجب أن لا يحصل هذا الأمر إلا بعد اتفاقهما لكن هذا الاتفاق غير معلوم لنا فوجب أن لا يحصل هذا الاتفاق، وأيضا فهذا الاتفاق وجب أن لا يحصل إلا باتفاق آخر، لأنه من كسبه وفعله، وذلك يؤدي إلى ما لا نهاية له من الاتفاق وهو محال هذا مجموع كلام المعتزلة قالت الجبرية: إنا قد دللنا بالدلائل العقلية التي لا تقبل الاحتمال، والتأويل على أن خالق هذه الأفعال هو الله تعالى، إما بواسطة أو بغير واسطة، والوجوه التي تمسكتم بها وجوه نقلية قابلة للاحتمال والقاطع لا يعارضه المحتمل فوجب المصير إلى ما قلناه وبالله التوفيق.
المسألة السادسة عشرة: لقائل أن يقول لم وصف المهديون بالكثرة والقلة صفتهم لقوله: * (وقليل من عبادي الشكور) * (سبأ: 13)، وقليل ما هم ولحديث " الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة " وحديث " الناس أخبر قلة "، والجواب: أهل الهدى كثير في أنفسهم وحيث يوصفون بالقلة إنما يوصفون بها بالقياس إلى أهل الضلال، وأيضا فإن القليل من المهديين كثير في الحقيقة وإن قلوا في الصورة فسموا بالكثير ذهابا إلى الحقيقة.
المسألة السابعة عشرة: قال الفراء: الفاسق أصله من قولهم فسقت الرطبة من قشرها أي خرجت، فكأن الفاسق هو الخارج عن الطاعة، وتسمى الفأرة فويسقة لخروجها لأجل المضرة، واختلف أهل القبلة في أنه هل هو مؤمن أو كافر، فعند أصحابنا أنه مؤمن، وعند الخوارج أنه كافر، وعند المعتزلة أنه لا مؤمن ولا كافر، واحتج المخالف بقوله تعالى: * (بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان) * (الحجرات: 11) وقال: * (إن المنافقين هم الفاسقون) * (التوبة: 17) وقال: * (حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان) * الحجرات: 7) وهذه المسألة طويلة مذكورة في علم الكلام.
المسألة الثامنة عشرة: اختلفوا في المراد، من قوله تعالى: * (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه) * وذكروا وجوها: أحدها: أن المراد بهذا الميثاق حججه القائمة على عباده الدالة لهم على صحة توحيده وصدق رسله، فكان ذلك ميثاقا وعهدا على التمسك بالتوحيد إذا كان يلزم بهذه الحجج ما ذكرنا من التمسك بالتوحيد وغيره، ولذلك صح قوله: * (وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم) * (البقرة: 40)، وثانيها: يحتمل أن يعني به ما دل عليه بقوله: * (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا) * (فاطر: 42) فلما لم يفعلوا ما حلفوا عليه وصفهم بنقض عهده وميثاقه، والتأويل الأول يمكن فيه العموم في كل من ضل وكفر، والثاني: لا يمكن إلا فيمن اختص بهذا القسم، إذا ثبت هذا ظهر رجحان التأويل الأول على الثاني من وجهين: الأول: أن على التقدير الأول يمكن إجراء الآية على عمومها، وعلى الثاني يلزم التخصيص، الثاني: أن على التقدير الأول يلزمهم الذم لأنهم نقضوا عهدا أبرمه الله وأحكمه بما أنزل من الأدلة التي كررها عليهم في الأنفس والآفاق وأوضحها وأزال التلبيس عنها، ولما أودع في العقول من دلائلها وبعث الأنبياء وأنزل الكتب مؤكدا لها: وأما على التقدير الثاني