إلا ثوابا قليلا. ورابعها: أنهم أسبق السابقين في كل العبادات، لا خصلة من خصال الدين إلا وهم أئمة مقدمون فيها بل هم المنشئون العامرون لطريق الدين والسبق في العبادة جهة تفضيل وتعظيم. أما أولا فبالاجماع. وأما ثانيا فلقوله تعالى (والسابقون السابقون أولئك المقربون) وأما ثالثا فلقوله عليه السلام من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة فهذا يقتضى أن يكون قد حصل الملائكة من الثواب كل ما حصل الأنبياء مع زيادة الثواب التي استحقوها بأفعالهم التي أتوا بها قبل خلق البشر. ولقائل أن يقول، فهذا يقتضى أن يكون آدم عليه السلام أفضل من محمد صلى الله عليه وسلم لان أول من سن عبادة الله تعالى من البشر وأول من سن دعوة الكفار إلى الله تعالى ولما كان ذلك باطلا بالاجماع بطل ما ذكروه والتحقيق فيه ما قدمناه أن كثرة الثواب تكون بأمر يرجع إلى النية فيجوز أن تكون نية المتأخر أصفى فيستحق من الثواب أكثر ما يستحقه المتقدم. وخامسها: أن الملائكة رسل الأنبياء والرسول أفضل من الأمة فالملائكة أفضل من الأنبياء. أما أن الملائكة رسل إلى الأنبياء فلقوله تعالى (علمه شديد القوى وقوله (نزل به الروح الأمين على قلبك) وأما أن الرسول أفضل من الأمة فبالقياس على أن الأنبياء من البشر أفضل من أممه فكذا ههنا. فان قيل: العرف أن السلطان إذا أرسل واحدا إلى جمع عظيم ليكون حاكما فيهم ومتوليا لأمورهم فذلك الرسول يكون أشرف من ذلك الجمع، أما إذا أرسل واحدا إلى واحد فقد لا يكون الرسول أشرف من المرسل إليه كما إذا أرسل واحدا من عبيدة إلى وزيره في مهم فإنه لا يلزم أن يكون ذلك العبد أشرف من الوزير. قلنا، لكن جبريل عليه السلام مبعوث إلى كافة الأنبياء والرسل من البشر فلزم على هذا القانون الذي ذكره السائل أن يكون جبريل عليه السلام أفضل منهم. واعلم أن هذه الحجة يمكن تقريرها على وجه آخر وهو أن الملائكة رسل لقوله تعالى (جاعل الملائكة رسلا) ثم لا يخلوا الحال من أحد أمرين اما أن يكون الملك رسولا إلى ملك آخرا إلى واحد من الأنبياء الذين هم من البشر وعلى التقديرين فالملك رسول وأمته رسل وأما الرسول البشرى فهو رسول لكن أمته ليسوا برسل والرسول الذي كل أمته رسل أفضل من الرسول الذي لا يكون كذلك فثبت فضل الملك على البشر من هذه الجهة ولان إبراهيم عليه السلام كان رسولا إلى لوط عليه السلام فكان أفضل منه وموسى عليه السلام كان رسولا إلى الأنبياء الذين كانوا في عسكره وكان أفضل منهم فكذا ههنا. ولقائل أن يقول الملك إذا أرسل رسولا إلى بعض النواحي قد يكون ذلك لأنه جعل ذلك الرسول حاكما عليهم ومتوليا لأمورهم ومتصرفا في أحوالهم وقد لا يكون لأنه يبعثه إليهم ليخبرهم عن بعض الأمور مع أنه لا يجعله حاكما عليهم ومتوليا لأمورهم فالرسول في القسم من المرسل الأول يجب أن يكون أفضل من المرسل إليه أما في القسم الثاني فظاهر أنه لا يجب ان يكون أفضل من المرسل إليه فالأنبياء المبعوثون إلى أممهم من القسم الأول فلا جرم كانوا أفضل من الأمم فلم قلتم إن بعثة الملائكة إلى الأنبياء من
(٢١٩)