السلام أقل ثوابا من الملائكة؟ وذلك لأنه لا نزاع في أن عدم التفات البشر إلى المطاعم والمناكح أقل نم عدم التفات الملائكة إلى هذه الأشياء، لكن لم قلتم إن ذلك يوجب بالمزيد في الفضل بمعنى كثرة الثواب؟ فان تمسكوا بأن كل من كان أقل معصية وجب أن يكون أفضل، فقد سبق الكلام عليه. الحجة الحادية عشرة: قوله تعالى (وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) ومخلوقات الله تعالى إما المكلفون أو من عداهم ولا شك أن المكلفين أفضل من غيرهم، أما المكلفون فهم أربعة أنواع الملائكة والانس والجن والشياطين. ولا شك أن الانس أفضل من الجن والشياطين، فلو كان أفضل من الملك أيضا لزم حينئذ أن يكون البشر أفضل من كل المخلوقات، وحينئذ لا يبقى لقوله تعالى (وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) فائدة: بل كان ينبغي أن يقال وفضلناهم عل جميع من خلقنا تفضيلا، ولما لم يقل ذلك علمنا أن الملك أفضل من البشر، ولقائل أن يقول حاصل هذا الكلام تمسك بدليل الخطاب، لان التصريح بأنه أفضل من كثير من المخلوقات لا يدل على أنه ليس أفضل من الباقي إلا بواسطة دليل الخطاب، وأيضا فهب أن جنس الملائكة أفضل من جنس بني آدم ولكن لا يلزم من كون أحد المجموعين أفضل من المجموع الثاني أن يكون كل واحد من أفراد المجموع الأول أفضل من المجموع الثاني، فانا إذا قدرنا عشرة من العبيد كل واحد منهم يساوى مائة دينارا، وعشرة أخرى حصل فيهم عبد يساوى مائتي دينار والتسعة الباقية يساوى كل واحد منهم دينارا. فالجموع الأول أفضل من المجموع الثاني، إلا أنه حصل في المجموع الثاني واحد هو أفضل من كل واحد من آحاد المجموع الأول، فكذا ههنا.
وأيضا فقوله (وفضلناهم) يجوز أن يكون المراد وفضلناهم في الكرامة التي ذكرناها في أول الآية وهي قوله (ولقد كرمنا بني آدم) ويكون المراد من الكرامة حسن الصورة ومزيد الذكاء والقدرة على الأعمال العجيبة والمبالغة في النظافة والطهارة، وإذا كان كذلك فنحن نسلم أن الملك أزيد من البشر في هذه الأمور ولكن لم قلتم أن الملك أكثر ثوابا من البشر، وأيضا فقوله (خلق السماوات بغير عمد ترونها) لا يقتضى أن يكون هناك إله آخر له برهان فكذلك ههنا، الحجة الثانية عشرة: الأنبياء عليهم السلام ما استغفروا لأحد إلا بدأوا بالاستغفار لأنفسهم ثم بعد ذلك لغيرهم من المؤمنين، قال آدم (ربنا ظلمنا أنفسنا) وقال نوح عليه السلام (رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا) وقال إبراهيم عليه السلام (رب اغفر لي ولوالدي) وقال (رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين) وقال موسي (رب اغفر لي ولأخي) وقال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم (واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) وقال (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) أما الملائكة فإنهم لم يستغفروا لأنفسهم ولكنهم طلبوا المغفرة للمؤمنين من البشر يدل عليه تعالى حكاية عنهم (فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم) وقال (ويستغفرون