ذهاب الكمال وبقاء ما يسمى نورا والغرض إزالة النور عنهم بالكلية. ألا ترى كيف ذكر عقيبه: * (وتركهم في ظلمات لا يبصرون) * والظلمة عبارة عن عدم النور، وكيف جمعها، وكيف نكرها وكيف أتبعها ما يدل على أنها ظلمة خالصة وهو قوله: * (لا يبصرون) * السؤال السادس: لم قال: * (ذهب الله بنورهم) * ولم يقل أذهب الله نورهم والجواب: الفرق بين أذهب وذهب به أن معنى أذهبه أزاله وجعله ذاهبا، ويقال ذهب به إذا استصحبه، ومعنى به معه، وذهب السلطان بماله أخذه قال تعالى: * (فلما ذهبوا به) * (يوسف: 15) * (إذا لذهب كل إله بما خلق) * (المؤمنون: 91) والمعنى أخذ الله نورهم وأمسكه * (وما يمسك فلا مرسل له) * (فاطر: 2) فهو أبلغ من الإذهاب وقرأ اليماني " أذهب الله نورهم ". السؤال السابع: ما معنى (وتركهم)؟ والجواب: ترك إذا علق بواحد فهو بمعنى طرح وإذا علق بشيئين كان بمعنى صير، فيجري مجرى أفعال القلوب ومنه قوله: * (وتركهم في ظلمات) * أصله هم في ظلمات ثم دخل ترك فنصبت الجزئين. السؤال الثامن: لم حذف أحد المفعولين من لا يبصرون؟ الجواب: أنه من قبيل المتروك الذي لا يلتفت إلى إخطاره بالبال، لا من قبيل المقدر المنوي، كأن الفعل غير متعد أصلا.
* (صم بكم عمى فهم لا يرجعون) *.
اعلم أنه لما كان المعلوم من حالهم أنهم كانوا يسمعون وينطقون ويبصرون امتنع حمل ذلك على الحقيقة فلم يبق إلا تشبيه حالهم لشدة تمسكهم بالعناد وإعراضهم عما يطرق سمعهم من القرآن وما يظهره الرسول من الأدلة والآيات بمن هو أصم في الحقيقة فلا يسمع، وإذا لم يسمع لم يتمكن من الجواب، فلذلك جعله بمنزلة الأبكم، وإذا لم ينتفع بالأدلة ولم يبصر طريق الرشد فهو بمنزلة الأعمى، أما قوله: * (فهم لا يرجعون) * ففيه وجوه: أحدها: أنهم لا يرجعون عما تقدم ذكره وهو التمسك بالنفاق الذي لأجل تمسكهم به وصفهم الله تعالى بهذه الصفات فصار ذلك دلالة على أنهم يستمرون على نفاقهم أبدا. وثانيها: أنهم لا يعودون إلى الهدى بعد أن باعوه، وعن الضلالة بعد أن اشتروها. وثالثها: أراد أنهم بمنزلة المتحيرين الذين بقوا خامدين في مكانهم لا يبرحون، ولا يدرون أيتقدمون أم يتأخرون وكيف يرجعون إلى حيث ابتدأوا منه.
* (أو كصيب من السمآء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم فى ءاذانهم من الصواعق حذر الموت